Friday, August 24, 2018

تسونامي المديوكر: مقال جريء لا ينصح أصحاب القلوب الضعيفة والأذواق الرديئة بقراءته

#شذا_الورق

مقدمة
ميديوكر كلمة تستخدم لوصف عمل متوسط الجودة أو شخص متواضع الموهبة. وتعريف الكلمة في المعجم Mediocre: of only average quality; not very good، أي شيء متوسط الجودة وحسب، ليس جيد جدًا. وسوف أستخدم مرادف رديء للتعبير عن هذا المعنى. يقول الكاتب الفرنسي جوزيف جوبير أن الرداءة هي الامتياز في أعين الناس السيئين. وهو يعني هنا أن جودة حياة الإنسان تقاس بذوقه بفرض أن صاحب الذوق الراقي إنسان ممتاز وبالمثل صاحب الذوق الرديء إنسان سيء. فمن يقرأ قصص رومانسية مسلية رديئة شخص سيء يسيء الاختيار ويقرأ هذا الأدب الرديء ليرضي فراغه العاطفي. ومن يقرأ روايات رديئة بها بعض المقبلات الجنسية التي تجذب الشباب التافه هو إنسان سيء أيضًا. ومن يقرأ الرواية من أجل غرض آخر هو الفائدة الدينية هو إنسان سيء أيضًا لأن هذا النوع من الروايات بالغ الرداءة وهذا محض عبث وليس لهذا خلق الأدب.

لذلك أرى أن وجهة نظر الكاتب صحيحة فالذوق الآن في غاية الرداءة، وعندما يصبح ذوق أغلب الناس رديء يتحول المنتج الذي يقبل عليه هؤلاء الناس إلى الرداءة، لأن صانع هذا المنتج يدرك أنه إذا اجتهد في عمله وأنتج منتج قيم سيذهب تعبه أدراج الرياح. فلماذا يتعب نفسه في منتج يتمتع بالجودة وهو في مقدوره أن يقدم منتج رخيص ورديء ويحقق النجاح المطلوب.

من الفن المديوكر للذوق المديوكر
لنطبق هذه الفكرة على الفن في مصر. بدأت موجة الرداءة تضرب في فن الغناء في الثمانينيات عندما بدأت تظهر أصوات قبيحة وسيئة وتنتشر وتحقق النجاح بكلمات وألحان سيئة وتافهة. ومن هنا بدأت حملة إفساد الذوق ومع الوقت ارتفعت هذه الأصوات إلى مصاف النجوم وتراجعت أمامها أصوات أقوى بكثير. وظل الذوق في الانحطاط أكثر وأكثر فكلما ظهر جيل جديد كان ذوقه أحط من سابقيه حتى وصل الأمر إلى الفضيحة التي يطلق عليها المهرجانات بعد أن كان لدينا عبد الوهاب وأم كلثوم يغنيان أعظم وأرقى القصائد والأغاني. ليست المشكلة فقط في فساد الذوق بهذا الفن الرديء ولكن أيضًا في تأثيره السيء على الأطفال والمراهقين وفي النجاح السهل والسريع الذي يغري الجميع بالتقليد. انظر إلى فن السينما بنفس النظرة الزمنية وستجد أن نفس الأمر تحقق. بعد أن كنا ننتج الأرض وصراع في الوادي أصبحت أفلام السبكي تحقق أعلى إيرادات ويقلده منتجون آخرون لينجحوا.


حتى الأدب أصابته اللعنة
الآن انظر إلى الساحة الأدبية لنقل في مصر فما زالت هناك أقلام ممتازة من كل الأجيال في الوطن العربي. كان لدينا كتاب كبار وبارعين ثم ظهر من العدم عدة أسماء لا قيمة لها ولا وزن في عالم الأدب مثل أحمد مراد ومحمد صادق منذ عدة سنوات ومنذ البداية حصدت هذه الأسماء عشرات الطبعات على روايات ليست فقط تافهة وركيكة ولكن أيضًا تنفث سموم هذان الكاتبان في عقول الشباب، وفي أقل من سبع سنوات، وبعد أن انتشرت موضة الكتابة الرديئة وتراجعت الأسماء الجيدة التي تكتب أدب حقيقي أصبحت صفحات الفيس بوك تعج بعشرات الآلاف من حسابات الشباب والفتيات في سن يتدرج من الثانية عشر إلى العشرين معظمهم بلا موهبة حقيقية ولم يفكروا حتى في تنمية أنفسهم ومنح أنفسهم الوقت للكتابة والقراءة المتمهلة ليكونوا مشروع كتاب جيدين أصبح كل همهم الحصول على آلاف المتابعين لينشروا الهراء الذي يكتبوه -للأمانة القليل من الكتاب الشباب لا يفعل هذا ولديهم موهبة وينمونها بالطريقة الصحيحة- لأنهم يعلمون أن هذا هو الشرط الوحيـد لدور النشر حتى يستطيعون النشر على حساب دار النشر ولا مانع من إضافة بعض الآراء الهدامة في الإسلام وظهور شخصية ملحدة وأخرى متحررة وفيمنست حتى تلقي الرواية إعجاب دار النشر. أصبح لدينا وسط أدبي كامل مديوكر ليس به إلا القليل من الأقلام الجادة الشابة وبعض الكتاب الكبار الذين ما زالوا يمارسون الكتابة. هناك فهم خاطئ تمامًا نتج عند عامة القراء عن الرواية والغرض من قراءتها، فالرواية عند البعض وعظ ديني لطيف مصاغ في قصة تافهة ومستوحاة من الأفلام الهندية، وعند الآخرين قصة حب مسلية مكتوبة بأسلوب طفولي هزلي أو قصة رعب تفوق قصة الحب هزلًا وغباءً، وهناك كاتب شاب شهير يمارس خدعة طريفة على قراءه وينشر كتاب على أنه رواية ليحقق الانتشار بما أن الجميع صار لا يقرأ إلا الروايات، ناهيك عن الأكاذيب والافتراءات التي تملأ كتبه ودخوله المجموعات الثقافية بنفسه للرد على من يجرأ على إثبات ذلك وكأنه الرافعي زمانه. الحديث في هذا الموضوع يطول ولا فائدة من الخوض أكثر من ذلك.


الحل
كتبت مقالات عدة في هذا الموضوع وكنت ألطف اللهجة في هذه المقالات فهدفي ليس الإساءة للقراء أو الكتاب ولكن الإفادة والخروج من هذا المنحدر الذي يتدحرج فيه الذوق المصري مثل كرة ثلج تكبر حتى أصبحت عملاقة تأخذ في طريقها كل شيء. ولست وحدي في هذا فهناك مئات من القراء الواعين على شبكات التواصل الاجتماعي لكن مجهودهم يذهب هباء مثل عصفور يهمس في أذن ديناصور. لذلك واضح أنه لا أحد يستمع ولا فائدة من المجهود الذي يبذل. فسأستخدم الآن أسلوب الصدمة لعلي أحدث فارقًا. من المعروف أن أطراف اللعبة ثلاثة كاتب ودار نشر وجمهور. بالطبع لا يمكننا كمثقفين منع الكتاب المديوكر من الكتابة ولا تفخيخ دور النشر المديوكر (بالمناسبة دور النشر المحترمة تعد على أصابع اليد الواحدة) ولا هذا دورنا ولكن دورنا وواجبنا هو توعية القارئ الذي هو السبب الأوحد والمباشر في نجاح الرديء والركيك وزيادة عدد الكتاب المديوكر. صدقوني عندما أقول أن هناك كتاب شباب ممتازين ومعجونين موهبة يستدينون لينشروا رواية أو كتاب لأن ما يكتبونه لا يروق لدور النشر السيئة إياها. فبسببك أنت عزيزي القارئ وبسبب اختياراتك يفشل كاتب مميز في الاستمرار بينما الكاتب المديوكر يتمتع بالنجاح والشهرة. لو لم تكن كسولًا ومهملًا ورديء الذوق لما حدث كل هذا التردي. لو أنك فقط أتعبت نفسك قليلًا وقويت لغتك العربية واستمعت إلى رأي غيرك وتركت الرديء وبدأت في قراءة الجيد، ربما ستجد هذه الأعمال القوية مملة ولكن في الحقيقة اعذرني أنت الممل هنا. أنت الذي عودت عقلك على هضم التسالي وكتابات الركاكة فلم يعد يستوعب الأدب الجيد القوي. أنت الذي لا تستطيع الاحتمال قليلًا وقراءة المزيد من الأعمال الجيدة حتى يرتقي عقلك وتستوعب هذه الأعمال وتفهمها حقًا. والحل سيأتي من عندك أنت

إذا كانت الدولة مهملة في أبسط احتياجات المواطن المصري هل تعتقد أنها ستلتفت للثقافة، دولة تغلق المكتبات ستسعد لو أصبح الشعب المصري كله يرفل في جحيم الأمية. إذن بإمكانك أنت فقط أن تصير الحل، ثقف نفسك واقرأ الأدب الجيد، صدقني حتى لو أوحى لك غرورك بأنك مثقف فإن قارئ روايات أحمد مراد ومحمد صادق ومحمود بكري وعبير عبد الرحمن وأمثالهم أبعد ما يكون عن الثقافة. وحتى لو قرأت الأدب الجيد لن تكون مثقفًا لأن الثقافة مفهوم أوسع بكثير من مجرد القراءة. ولو رشح لك أحدهم رواية قوية (ثلاثية غرناطة مثلًا) ووجدتها –بمعاييرك المديوكر- رواية مملة فاصبر قليلًا، فالفائدة المرجوة عظيمة جدًا. ستقوى لغتك وستزداد حصيلتك اللغوية وستكتسب معلومات من معارف مختلفة وتفهم الحياة أفضل بكثير ما ستفهمه من قراءة الأدب الركيك السطحي، وسترتقي كإنسان ويصبح لك اتجاهات وآراء في الحياة. فقط اصبر قليلًا حتى تتكون في داخلك ذرات اللغة والوعي القادرة على قراءة هذه الأعمال. إن لم تفعل ذلك كله فنحن مقبلون على لغة مفككة وأدب جدير بالكتابة على جدران المراحيض وظهر أكياس المقرمشات في العشر سنوات القادمة، لأن من شبه المستحيل في حالة الموت السياسي التي نعاني منها أن يحدث تغيير سياسي وتتغير منظومة التعليم البائسة. السؤال هنا: نحن الآن بلغنا قاع الانحطاط في الأدب فماذا يمكن أن يحدث في العشر سنوات القادمة؟


المداومة على قراءة الروايات الرديئة تجعلك غبيًا!

المداومة على قراءة الروايات الرديئة تجعلك غبيًا!

مقدمة
إلى كل من سيقرأ هذا المقال وهو لا يعترف بأن ما يقرؤه رديء، أو ربما يعرف في قرارة نفسه وينكر ذلك أمام الآخرين. كل كلمة جاءت في هذا المقال أو وصف "رواية رديئة" ليس الغرض منه انتقادك أو إهانتك. ولست أدعي الثقافة أو الذكاء، ولا أعتقد أن من يقرأ الرواية الرديئة إنسان رديء أو أي شيء من هذا القبيل. فلا تفسر هذا المقال على أنه إساءة، بل نصيحة مخلصة من قارئ مخضرم. لا داعي للأسلوب الدفاعي في الحديث والهجوم على الكاتب، بل اقرأ بتمعن وحاول الاستفادة من المقال قدر الإمكان.

ما هي الرواية الرديئة؟
باختصار الرواية الرديئة هي الرواية الحديثة المنتشرة التي تكتب بالعامية أو بفصحى ركيكة وبأسلوب مليء بالأخطاء النحوية والإملائية وتقدم حبكة طفولية ساذجة مستوحاة من أحد الأفلام الهندية، وشخصيات مسطحة غير مرسومة بذكاء، وفكرة مقحمة أو غير واقعية. لا يجب أن تكون الرواية رديئة في كل شيء حتى تعد رديئة، فيكفي أن يكون بعض عناصر الرواية رديء حتى تعد رديئة. قد تكون اللغة ممتازة وقوية وحبكة العمل سخيفة مكررة مثل روايات أحلام مستغانمي. ما هي مشكلة هذه الرواية ولماذا لا ينصح بقراءتها؟ سنناقش هذا السؤال في جزء تالِ من المقال لكن ما أريد قوله هنا أن كاتبها لا يحترم عقل القارئ وينحدر بثقافته ولغته وفكره بدلًا من الارتقاء به.

كيف تجعلك المداومة على قراءة الرواية الرديئة غبيًا
قبل الدخول في التفاصيل، يجب أن نعرف أن هناك ثلاثة أنواع من القراء:
1- قارئ لا يرتضي إلا بالأدب القيم. وهذا النوع بمنأى عن الخطر.
2- قارئ يدرك أن هذه الروايات رديئة ولكن يقرأها أحيانًا بسبب الملل وروتين الحياة. هذا النوع أيضًا آمن.
3- قارئ يدمن قراءة هذه الروايات. هذا النوع من القراء في خطر.

حسنًا لماذا تجعلك المداومة على قراءة الروايات الرديئة غبيًا؟ لعدة أسباب.
أولًا: يقف ذكاءك اللغوي وحصيلتك اللغوية عند مرحلة طفولية حيث يقدم لك كتاب هذه الروايات لغة ضعيفة وركيكة أو روايات مكتوبة بالعامية لا تجعلك قادر –في حالة المداومة على هذه الروايات- على قراءة روايات قيمة أو كتب مفيدة لأن مستواك اللغوي منخفض للغاية. وأنت لا تسمح لنفسك بتقوية لغتك لأنك لا تريد إلا قراءة الروايات الرديئة، وحتى في حالة أردت تجربة رواية قوية أو كتاب مفيد ستعجز بسبب الجهل وضعف اللغة لديك. إذا كان الكاتب الذي تقرأ روايته بهذا المستوى السخيف من الضعف لدرجة استخدام العامية أو الكتابة بلغة مهترءة، فما بال القارئ!
ثانيًا: عندما أصبحت القراءة موضة صار الناس يقرأون من أجل التسلية الرخيصة. وسواء كان الكاتب مراهقًا أو شابًا فبحثك عن التسلية بقصة رعب أو رومانسية لا تستحق إلا أن تكتب على ورق المراحيض، يجعلك لا تُعمل العقل ولا تقرأ الكتب ليستفيد من المعلومات والخبرة الموجودة بها، أو الروايات القوية وتستمتع بحبكة ذكية. مداومتك على قراءة الرواية الرديئة بحبكتها الطفولية الساذجة (مثل أرض زيكولا) أو الشبيهة بالأفلام الهندية (مثل روايات دعاء عبد الرحمن وخولة حمدي) يجعلك تتعامل مع القراءة بعاطفتك وليس بعقلك وتتغاضى عن الأخطاء في كل ما هو مكتوب وهذا يجعلك تهمل عقلك فيما تقرأ.

ثالثًا: بما أن الأفكار ضحلة جدًا داخل هذه الروايات، فليس هناك فائدة ثقافية أو فكرية من هذه القراءة. دان براون مثلًا ليس بالأديب العظيم لكنه يمنحك الكثير والكثير من المعلومات في كل من رواياته. بينما بعض الأدباء يثرون ثقافتك بخلفيات تاريخية وثقافية لدول مختلفة، أو بإثارة تعاطفك مع قضايا مهمة مثل العدل والمساواة، أو يؤثر في نضج رؤيتك للعالم. في النهاية أنت تداوم على قراءة روايات سخيفة ليس بها أفكار قوية وواقعية.
النتيجة
أما نتيجة تعاملك مع ما تقرأه بعاطفتك وليس بعقلك والضحالة الفكرية لديك وضعف لغتك وقدرتك على قراءة عمل يتمتع بلغة قوية، فهي نتيجة سيئة جدًا. أولًا أنت لا تكتشف الأخطاء في هذه الأعمال الأدبية الرديئة، ولذلك تستمتع بها وسواء كنت تقرأها مجانًا أو اشتريتها فأنت تصنع شهرة ونجاح الكاتب الفاشل الذي لا يحترم عقلك. ثانيًا أنت عاجز عن قراءة رواية قوية اللغة والفكر أو كتاب يعزز ثقافتك. ثالثًا: سيظل كل من لغتك وثقافتك ورجاحة عقلك عند مستويات طفولية. ومرة بعد مرة وبعد قراءة عشرات من هذه الروايات ستصبح بليدًا، لأن عدم التفكير وتحكيم العقل يجعل الإنسان غبيًا فكأنه غير موجود بالأساس، آخذين في الحسبان كم الوقت الذي يضيع في قراءة هذا الهراء. أنت تقرأ ما تتصور أنه يجذبك فقط فأي شيء مخالف قد تتصور أنه ممل لكنه في الحقيقة أقوى وأصعب من قدرتك على القراءة.

لقد قرأـت ذات مرة تعليقًا طريفًا لأحد هؤلاء القراء يقول أن رواية الجريمة والعقاب لدوستويفسكي أخذت شهرة لا تستحقها وأنها رواية سيئة. بالطبع
 قراءة رواية لدوستويفسكي أديب التحليل النفسي تحتاج لجيش من الأطفال حتى يفهموا محتواها!

ما الدليل على كل هذا
ما أقوله لك لا يستند إلى دليل علمي، بل إلى الخبرة وكثرة التعامل والاحتكاك مع القراء. فمن تقرأ له هذا المقال قارئ منذ 20 عامًا، وعاشق للأدب القيم وما يفسر عدم انجرافه إلى ذلك الفخ هو أني قرأت وتعلمت وأحببت الأدب من قبل أن تظهر هذه الموجة العاتية بفترة. الآن كل من هب ودب يريد أن يصبح كاتبًا، فالكتابة تحقق الثراء السريع والشهرة، أيًا كان الهراء الذي يكتب. ربما وقعت في فخ الروايات التي حققت شهرة كبيرة في بداية انتشار هذه الموجة ولكن بعد روايتين سيئتين للغاية هما هيبتا وفي قلبي أنثى عبرية لم أعد أقرأ للكتاب الشباب إلا قلة منهم، مؤخرًا صرت أقرأ هذه الروايات لعدة كتاب لألحظ التقدم الذي أحرزوه لكن لا شيء يذكر.

أما الخبرة فتأتي من أمرين القراءة وامتلاك خبرة كبيرة في التمييز بين الغث والسمين ومعرفة أن هذه الرواية قيمة وهذه رديئة من بعض الدلائل البسيطة. والأمر الآخر هو تعاملي مع الكثير من القراء عبر المجموعات الثقافية. كثيرًا ما رأيت منشورات تتحدث عن صعوبة قراءة رواية أو كتاب ما لنفس الأسباب التي أتحدث عنها، ناهيك عن أن بعض من يكتبون هذه المنشورات هم بالفعل كُتاب. لا أعلم ما الذي سيحدث بعد عشرين عامًا قد يتحول قارئ هذه الروايات إلى كائن بجسم إنسان وعقل رضيع لا يتوقف عن مص أصابعه.
الحل

توقف فورًا عن كل قراءة كل هذه الروايات الرديئة. حتى إذا كنت لست تهدف إلى اكتساب الثقافة وتقوية اللغة، ليست كل الروايات المسلية سخيفة مثل هذه الروايات. يمكنك قراءة أعمال د/ أحمد خالد توفيق، أو روايات غيوم ميسو الرومانسية، أو حتى أليف شفق. أما إذا أردت الارتقاء خطوة فعليك بالروايات العالمية الحائزة على جائزة نوبل في الآداب، والأدب العربي القديم بأجياله المختلفة. ولا يجب أن تظل حبيس الروايات فقط، نعم كل قارئ لديه ما يفضله، لكن هناك كتب مكتوبة بأسلوب أدبي وشيقة جدًا يمكنك البدء بها. نعم ستجد صعوبة في بادئ الأمر بقراءة هذه الروايات والكتب، لكن ستصل إلى المتعة الحقيقية. لذلك أنصحك بقراءة روايات وكتب أسهل في أول الأمر، لا داعي أن تبدأ بالعقاد أو نجيب محفوظ.

ختامًا
أنت تعرف أن حال التعليم والثقافة في الوطن العربي من أسوأ ما يكون. أعلم أنك ربما تكون وقعت ضحية هذه الروايات بسبب ترشيح سيء. لكن عليك أن تعلم نفسك بنفسك، ولديك الانترنت يمكنك تقوية لغتك وتصحيح أخطاءك الإملائية لتكتسب قدرة أعلى على قراءة الأدب القيم أو الكتب المفيدة. صحيح أن هناك من يبذل الكثير من الجهد لمساعدة القارئ المبتدئ لكن يجب أن تنتهز الفرصة وتساعد نفسك، لا تنتظر المساعدة من أحد. لا تطلب ترشيح من أحد فمعظم من يرشحون غير أمناء على هذه المسؤولية. ابحث بنفسك وتعلم التمييز بين الغث والسمين. لا تطلب رأيًا من أحد ولكن اعتمد على عقلك في تحليل العمل الأدبي، واستخرج نقاط الضعف والقوة منه، واكتشف مدى تماسك الحبكة وجودة الفكرة. ستصل أسرع إذا اعتمدت على نفسك ولم تستعن إلا بالقارئ الواعي.


كيف تصبح كاتبًا في 24 ساعة

 كيف تصبح كاتبًا في 24 ساعة

مقدمة
هذا مقال ساخر يتناول الحالة البائسة التي آلت إليها الثقافة والأدب العربي، لا يقصد بهذا المقال السخرية من القراء على الإطلاق، بل إن الغرض منه هو تحذير القراء من الفخ الذي يسقطون فيه وتوجيههم لقراءة الأدب الجيد. أصبحت الكتابة مهنة من لا مهنة له، وساعدت شبكات التواصل الاجتماعي في استفحال هذه الأزمة. أتريد أن تسير في القطيع وتصبح كاتب آخر من ضمن الآلاف بلا لغة أو موهبة، هذا أمر سهل تمامًا. تابع هذا المقال وستجد الخطوات الواجب اتباعها.
الخطوة الأولى: إنشاء صفحة على الفيس بوك - الساعة 1
أرى أنك ترغب فعلياً في ممارسة الكتابة، حسنًا الأمر بسيط. لا تحاول القراءة أو تقوية لغتك، لا فائدة من هذا. فقط أنشئ حسابًا جديدًا على الفيس بوك أو صفحة، كلاهما يفيدان نفس الأمر. احرص على ملئ صفحتك بأي هراء تكتبه، شعرًا كان أو قصص، لا يهم ماذا يعني أو من أين جئت به، يمكنك أن تسرق أي محتوى من على الإنترنت أو تكتب بنفسك. المهم أن تضيف لما تكتبه بعض التحابيش، قصة رومانسية مثلاً أو رعب، احرص على جذب المراهقين بما تكتب.

الخطوة الثانية: الدعاية لحسابك أو صفحتك - الساعة 4
حاول الإعلان نفسك، اشتري إعلانات الفيس بوك إذا كنت تستطيع تحمل تكلفتها. وإذا لم تستطع فضع رابط صفحتك في كل مكان على الفيس بوك، وأضف أصدقاءك إليها. حاول جمع أكبر عدد متابعين أو إعجاب بصفحتك بقدر الإمكان، استمر في ذلك.

الخطوة الثالثة: كتابة رواية - الساعة 10
بعد أن أصبح لديك أعداد كبيرة من المتابعين، افعل الآن ما يفعله كل من هب ودب، اكتب رواية. يمكنك فعل ذلك سواء بكتابة رواية رومانسية أو رعب، لا تهم اللغة أو الموهبة فهذا أمر غير ضروري على كل حال. فقط احرص على ملأ روايتك التافهة بالتحابيش، مثلاً بعض الاقتباسات المحن المصطنعة، أو بعض الرعب لترضي عشاق التسالي والمخدرات العاطفية. لا تنسى أن تختار لروايتك عنوان غامض، أو عنوان يتضح منه أنها رواية رومانسية أو رعب، وغلاف غرائبي يجذب الأنظار. في أيامنا هذه لا يهم محتوى الرواية، كل ما يهم هو عنوانها وصورة غلافها. أعلن عن روايتك هذه بنفس طريقة الدعاية السابقة، اعرض مقتطفات من روايتك التافهة في المجموعات الثقافية، حريصًا كل الحرص على توضيح ما بها من محن أو رعب. وستجد القراء يتجمعون على روايتك مثل النمل على مكعب سكر.

الخطوة الرابعة: نشر الرواية - الساعة 16
ما أن انتهيت من روايتك وأعلنت عنها، اذهب إلى إحدى دور النشر. سيطلبون منك أن تتحمل تكلفة طبع وتوزيع الرواية، احرص على إبلاغهم بعدد متابعيك الضخم وشهرتك التي طغت على الآفاق، وستجدهم متحمسين لنشرها على تكلفتهم.

الخطوة الخامسة: توقيع الرواية - الساعة 23
ها قد أصبت هدفك، احتفل. اذهب إلى أي معرض كتاب وتوجه إلى جناح دار النشر التي نشرت روايتك اللوذعية. التقط الصور مع معجبيك ووقع روايتك لكل من يرغب. احرص على جذب أكبر عدد ممكن من زوار المعرض فربما توزع روايتك آلاف النسخ في أيام المعرض فقط. ماذا يمكنني أن أقول إنها أرزاق.

الخطوة السادسة: احتفل - الساعة 24
إذا كنت قد فعلت ما نصحتك به فأنت الآن من المشاهير. لقد نجحت وأصبت هدفك، احتفل مع جمهورك بالرواية. لا تنس أن تهاجم كل من انتقد روايتك وتحاول إثبات جودتها. لا يمكن أن يثنيك النقد وكشف حقيقتك ككاتب مفلس عن المضي في طريقك كأديب عظيم وناجح، لا تدع أعداء النجاح يكدروا صفوك. استمر في قول هذا لنفسك طوال الوقت: هم ينقدون الرواية لأنهم يتمنون أن يكونوا هم من كتبها. استمر على هذا المنوال، اكتب هراءك وانشره، روايتك هي إوزتك الذهبية النفيسة. أشعر أنك أخس من تجار المخدرات فأنت توفر مخدرات عاطفية للقراء وتمنعهم عن التقدم وقراءة ما يثقفهم حقًا، ولكن لا تجعل هذا يمنعك من الاستمرار في طريقك. في نقطة ما من المستقبل ستتساوى مع نجيب محفوظ وطه حسين والعقاد ويوسف السباعي، إن كنت قد سمعت عنهم أصلًا، أليس هذا رائعًا؟


بين القارئ والمثقف

شذا-الورق#

بين القارئ والمثقف
في سلسلة فانتازيا، كان د/ أحمد خالد توفيق رحمه الله يقول عن شخصيته عبير أنها شخص غير جميل أو قوي أو بارع أو ذكي، وأنها قرأت كثيرًا ورغم ذلك هي غير مثقفة. لقد أصاب أحمد خالد توفيق فهناك شخصيات تحاكي شخصية عبير في الواقع. كثر الحديث بين أوساط القراء عن ادعاء الثقافة وعن الفارق بين القارئ والمثقف. وكنت قد كتبت مقالًا بعنوان كيف تكون مثقفًا يمكنك الرجوع إليه.

لماذا قارئ وليس مثقف
أريد أن أحدثكم اليوم عن شخص عرفته منذ سنوات. كان هذا الشاب يقرأ كثيرًا، ينفق جزء من دخله على الكتب. ولكن مشكلته أنه لن يصبح مثقفًا أبدًا مهما قرأ. فهذا الشخص غير راجح العقل وغير جاد في حياته، كنت دائمًا أراه يمضي وقته لمجرد التسلية. يمضي الساعات يشاهد اللقطات المضحكة والمقالب على مواقع الفيديو. ويقرأ كتب وسلاسل الرعب والروايات الحديثة أيضًا من أجل المتعة والتسلية. لم أره يومًا بصحبة كتاب ذو قيمة، أو رواية قوية، كنت أنصحه دومًا ولكن لكل شخص ذوقه الخاص. لا تتعلق شخصيته أو اهتماماته بالثقافة من قريب أو من بعيد.

لماذا نقرأ
من القارئ ومن المثقف؟ قبل الإجابة على هذا السؤال يجب أن نعرف أولًا لماذا نقرأ؟ المثقف أو من يحاول أن يصير مثقفًا يقرأ من أجل اكتساب المعرفة، لا يحصر نفسه في مجال واحد ضيق كالعلم الديني مثلًا، أو كالأدب. فأي مجال واحد لا يصنع مثقفًا بمفرده، ولا يقدم ثقافة تكفي الفرد. لذلك تجد أن المثقف يقرأ في كافة مجالات المعرفة. كما أن المثقف يقرأ الأدب القيم لتقوية لغته واكتساب معارف تاريخية واجتماعية يصيغها الأدباء بطريقة مختلفة عن الكتب الأخرى.

أما غير المثقف فهو يقرأ من أجل التسلية. قد تجده يقرأ الأدب الساخر أو الروايات المنتشرة حديثًا بحثًا عن قصص الحب أو بعض الرعب. لا بأس فالكثير من القراء بدأ بهذه الأعمال ثم نما عقله وتطور حسه النقدي وأصبح يفرق بين الغث والسمين في الأدب. لكن من يقرأ هذه الأعمال باستمرار بحثًا عن التسلية فقط ليس بمثقف أو في طريقة ليصبح مثقفًا. هذا الشخص مجرد قارئ، وهو يقرأ لمتعته الشخصية ولا يقرأ لاكتساب الثقافة. حقيقة لا أحب أن أطلق على غيري ألقابًا لذلك أحاول دومًا إسداء النصح للجميع.

التحول من قارئ إلى مثقف
لتتحول من قارئ إلى مثقف عليك أولًا الخروج من حيز الرواية الحديثة الضيق إلى عالم القراءة الواسع. بعض القراء يقع في خطأ كبير وهو تقويم هذه الروايات بطريقة مخالفة للعقل والمنطق، هناك من يقومها حسب الفائدة الدينية منها وكأنها كتاب دين وليست رواية، وهناك من يقومها حسب قصة الحب التي تقدمها متغاضيًا عن كل عناصر الرواية وهي لغة وأسلوب وحبكة وشخصيات ومضمون فكري. قد تكون رواية مثل هيبتا بها قصة حب مسلية لكنها بالتأكيد ساذجة وضعيفة أدبيًا وركيكة لغويًا لذا تساوي صفر أدبيًا وإن كانت مسلية. النوع الثالث من القراء يصنف الرواية حسب ما إذا كانت أرعبته أم لا. عشاق كتب الرعب أيضًا يتغاضون عن كل عناصر الرواية في مقابل الشعور اللذيذ بالخوف الذي تصدره الرواية لهم. حسنًا إذا كنت تريد فائدة دينية ارجع إلى كتب الدين، ولكن روايات دعاء عبد الرحمن ومثيلاتها لا تزيد عن كونها روايات ضعيفة وحبكتها مأخوذة من الأفلام الهندية، لا أصالة على الإطلاق في مثل هذه الروايات. وإذا كنت تريد قراءة الروايات الرومانسية هناك كتاب متميزون يكتبون الروايات الرومانسية ولكن مع الجودة الأدبية في رواياتهم مثل يوسف السباعي وإحسان عبد القدوس ومحمد عبد الحليم عبد الله عربيًا، وجين أوستن وسمرست موم ودي إتش لورانس وإيميلي برونتي غربيًا، وغيوم ميسو حاليًا. أما إذا كنت تحب الرعب فهناك كتاب رعب مبدعون ولرواياتهم أيضًا قيمة أدبية مثل ستيفن كينج وروبرت بلوخ وإدجار ألان بو. يجب أيضًا عدم التوقف عند قراءة الأدب والانطلاق إلى قراءة الكتب العلمية الدينية والدنيوية من أجل اكتساب المعرفة، وكتب الفكر والفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع من أجل إثراء العقل بالأفكار ونضجه.

الثقافة ليست قراءة فحسب
يقال أن الثقافة هي أن تعرف شيء عن كل شيء وأن تعرف كل شيء عن شيء. لتكون مثقفًا حقيقيًا عليك اكتساب الثقافة من عدة مصادر. بجانب الكتب هناك الأفلام الوثائقية في مختلف المجالات، شاهد الأفلام الوثائقية عن الطبيعة تزيد إيمانًا بقدرة الله سبحانه وتعالى وتتعلم عن الحياة والطبيعة من حولك. شاهد الأفلام الوثائقية العلمية لتلاحظ تطور العلم المستمر. شاهد الأفلام الوثائقية عن التاريخ والحضارات السابقة وثقافات العالم. هناك أيضًا عالم الإنترنت الواسع، الذي يشمل آلاف المواقع الثقافية التي تمدك بالمعلومات بمختلف أشكالها. لا يمكن أن تكون مثقفًا ولغتك ضعيفة مثلًا. عليك اقتناء كتب الإملاء والنحو وتعليم نفسك القراءة والكتابة الصحيحة. هذا سيساعدك في المستقبل إذا أردت أن تصير كاتبًا، أو إذا أردت تنمية حصيلة لغوية مما تقرأه. الفنون أيضًا ثقافة، هناك فنون راقية تسمو بالروح مثل الموسيقى الكلاسيكية والأوبرا والباليه والفن التشكيلي. ليس كثير منا يفهم الفن التشكيلي لكن من اختصاص المثقف فهمه. هناك عدة مصادر للثقافة فعلينا أن نبحث عنها بأكثر من طريقة ومن عدة مصادر، اكتشف ذلك بنفسك عن طريق أسلوبك الخاص في اكتساب الثقافة

شخصية المثقف
المثقف الحقيقي شخص راجح العقل يتسم بالنضج. يجب أن يكون للمثقف دور في محيطه، سواء كان هذا المحيط الأسرة، المدرسة، أو المجتمع ككل. على المثقف أن يكون مهمومًا بقضايا وطنه وهويته، ويبحث عن الحق والعدالة والمساواة والحرية، الدفاع عن المظلوم وليس الوقوف في صف الظالم. يمكنك أن تحاول مع أفراد أسرتك الذين لا يقرأون أن يبدئوا بالقراءة، مع ترشيح كتب مناسبة للمبتدئين لهم. يمكنك أن تحاول مع أطفال عائلتك من سن صغير، أن تجعلهم يحبون القراءة وأن تقرأ لهم ما يناسب أعمارهم. الأطفال هم مستقبل الأمة فعلينا إعدادهم بالتثقيف وحب القراءة، لأن هذا معاكس تمامًا لما يكتسبونه من أفكار بسبب المشاعر السلبية التي يشعرون بها تجاه المدرسة والكتب الدراسية. نحن مجتمع لا يقرأ أغلب أفراده، لذلك فهذه المحاولات تغير هذا الواقع السيء وتنشر القراءة بين الأطفال والكبار على حد سواء. كل شخص مثقف يفعل ما يناسبه ويناسب إمكاناته، اكتشف دورك كمثقف في محيطك.

ماذا قال أنطون تشيخوف عن المثقفين
لن أصف المثقف أفضل من مبدع القصة القصيرة الأول في العالم، الروسي أنطون تشيخوف. وقد ترجمت لكم ما قاله عن المثقفين
ثمانية مميزات للأفراد المثقفين
أنطون تشيخوف يعبر عن كلمة "مثقف" في رسالة أرسلها إلى أخيه الأكبر نيكولاي، فنان تشكيلي. إنهم يحترمون شخصية الإنسان، ولذلك فإنهم دائمًا كرماء، لطفاء، مهذبين، ومستعدين للاستسلام للآخرين. لديهم تعاطف ليس فقط للمتسولين والقطط وحدهم. تتألم قلوبهم من أجل ما لا تراه العين. يحترمون ملكية الآخرين، ولذلك فإنهم يسددون ديونهم. إنهم مخلصين، ويرهبون الكذب مثل النار. هم لا يكذبون حتى في الأمور الصغيرة. إنهم لا يحطون من قدر أنفسهم لإثارة التعاطف. إنهم لا يلعبون على وتر قلوب الناس الآخرين لذلك فإنهم قد يتحسرون. ليس لديهم تفاهات سطحية. الموهوب الحقيقي دائمًا ما يبقى غامضًا بين الجمهور، يبتعد قدر الإمكان عن الدعاية. إذا كانت لديهم موهبة فإنهم يحترمونها. إنهم يضحون لبقائها، بالنساء، والخمر، والتفاهات. هم فخورون بموهبتهم ... بجانب أنهم يصعب إرضاءهم. إنهم ينمون الحس الجمالي بداخلهم. يحاولون الابتعاد قدر الإمكان لضبط النفس والارتقاء عن الغريزة الجنسية. إنهم يريدون التخصص، إذا كانوا فنانين، يريدون الجدة، والأناقة، والإنسانية ... إلخ.