Friday, August 24, 2018

تسونامي المديوكر: مقال جريء لا ينصح أصحاب القلوب الضعيفة والأذواق الرديئة بقراءته

#شذا_الورق

مقدمة
ميديوكر كلمة تستخدم لوصف عمل متوسط الجودة أو شخص متواضع الموهبة. وتعريف الكلمة في المعجم Mediocre: of only average quality; not very good، أي شيء متوسط الجودة وحسب، ليس جيد جدًا. وسوف أستخدم مرادف رديء للتعبير عن هذا المعنى. يقول الكاتب الفرنسي جوزيف جوبير أن الرداءة هي الامتياز في أعين الناس السيئين. وهو يعني هنا أن جودة حياة الإنسان تقاس بذوقه بفرض أن صاحب الذوق الراقي إنسان ممتاز وبالمثل صاحب الذوق الرديء إنسان سيء. فمن يقرأ قصص رومانسية مسلية رديئة شخص سيء يسيء الاختيار ويقرأ هذا الأدب الرديء ليرضي فراغه العاطفي. ومن يقرأ روايات رديئة بها بعض المقبلات الجنسية التي تجذب الشباب التافه هو إنسان سيء أيضًا. ومن يقرأ الرواية من أجل غرض آخر هو الفائدة الدينية هو إنسان سيء أيضًا لأن هذا النوع من الروايات بالغ الرداءة وهذا محض عبث وليس لهذا خلق الأدب.

لذلك أرى أن وجهة نظر الكاتب صحيحة فالذوق الآن في غاية الرداءة، وعندما يصبح ذوق أغلب الناس رديء يتحول المنتج الذي يقبل عليه هؤلاء الناس إلى الرداءة، لأن صانع هذا المنتج يدرك أنه إذا اجتهد في عمله وأنتج منتج قيم سيذهب تعبه أدراج الرياح. فلماذا يتعب نفسه في منتج يتمتع بالجودة وهو في مقدوره أن يقدم منتج رخيص ورديء ويحقق النجاح المطلوب.

من الفن المديوكر للذوق المديوكر
لنطبق هذه الفكرة على الفن في مصر. بدأت موجة الرداءة تضرب في فن الغناء في الثمانينيات عندما بدأت تظهر أصوات قبيحة وسيئة وتنتشر وتحقق النجاح بكلمات وألحان سيئة وتافهة. ومن هنا بدأت حملة إفساد الذوق ومع الوقت ارتفعت هذه الأصوات إلى مصاف النجوم وتراجعت أمامها أصوات أقوى بكثير. وظل الذوق في الانحطاط أكثر وأكثر فكلما ظهر جيل جديد كان ذوقه أحط من سابقيه حتى وصل الأمر إلى الفضيحة التي يطلق عليها المهرجانات بعد أن كان لدينا عبد الوهاب وأم كلثوم يغنيان أعظم وأرقى القصائد والأغاني. ليست المشكلة فقط في فساد الذوق بهذا الفن الرديء ولكن أيضًا في تأثيره السيء على الأطفال والمراهقين وفي النجاح السهل والسريع الذي يغري الجميع بالتقليد. انظر إلى فن السينما بنفس النظرة الزمنية وستجد أن نفس الأمر تحقق. بعد أن كنا ننتج الأرض وصراع في الوادي أصبحت أفلام السبكي تحقق أعلى إيرادات ويقلده منتجون آخرون لينجحوا.


حتى الأدب أصابته اللعنة
الآن انظر إلى الساحة الأدبية لنقل في مصر فما زالت هناك أقلام ممتازة من كل الأجيال في الوطن العربي. كان لدينا كتاب كبار وبارعين ثم ظهر من العدم عدة أسماء لا قيمة لها ولا وزن في عالم الأدب مثل أحمد مراد ومحمد صادق منذ عدة سنوات ومنذ البداية حصدت هذه الأسماء عشرات الطبعات على روايات ليست فقط تافهة وركيكة ولكن أيضًا تنفث سموم هذان الكاتبان في عقول الشباب، وفي أقل من سبع سنوات، وبعد أن انتشرت موضة الكتابة الرديئة وتراجعت الأسماء الجيدة التي تكتب أدب حقيقي أصبحت صفحات الفيس بوك تعج بعشرات الآلاف من حسابات الشباب والفتيات في سن يتدرج من الثانية عشر إلى العشرين معظمهم بلا موهبة حقيقية ولم يفكروا حتى في تنمية أنفسهم ومنح أنفسهم الوقت للكتابة والقراءة المتمهلة ليكونوا مشروع كتاب جيدين أصبح كل همهم الحصول على آلاف المتابعين لينشروا الهراء الذي يكتبوه -للأمانة القليل من الكتاب الشباب لا يفعل هذا ولديهم موهبة وينمونها بالطريقة الصحيحة- لأنهم يعلمون أن هذا هو الشرط الوحيـد لدور النشر حتى يستطيعون النشر على حساب دار النشر ولا مانع من إضافة بعض الآراء الهدامة في الإسلام وظهور شخصية ملحدة وأخرى متحررة وفيمنست حتى تلقي الرواية إعجاب دار النشر. أصبح لدينا وسط أدبي كامل مديوكر ليس به إلا القليل من الأقلام الجادة الشابة وبعض الكتاب الكبار الذين ما زالوا يمارسون الكتابة. هناك فهم خاطئ تمامًا نتج عند عامة القراء عن الرواية والغرض من قراءتها، فالرواية عند البعض وعظ ديني لطيف مصاغ في قصة تافهة ومستوحاة من الأفلام الهندية، وعند الآخرين قصة حب مسلية مكتوبة بأسلوب طفولي هزلي أو قصة رعب تفوق قصة الحب هزلًا وغباءً، وهناك كاتب شاب شهير يمارس خدعة طريفة على قراءه وينشر كتاب على أنه رواية ليحقق الانتشار بما أن الجميع صار لا يقرأ إلا الروايات، ناهيك عن الأكاذيب والافتراءات التي تملأ كتبه ودخوله المجموعات الثقافية بنفسه للرد على من يجرأ على إثبات ذلك وكأنه الرافعي زمانه. الحديث في هذا الموضوع يطول ولا فائدة من الخوض أكثر من ذلك.


الحل
كتبت مقالات عدة في هذا الموضوع وكنت ألطف اللهجة في هذه المقالات فهدفي ليس الإساءة للقراء أو الكتاب ولكن الإفادة والخروج من هذا المنحدر الذي يتدحرج فيه الذوق المصري مثل كرة ثلج تكبر حتى أصبحت عملاقة تأخذ في طريقها كل شيء. ولست وحدي في هذا فهناك مئات من القراء الواعين على شبكات التواصل الاجتماعي لكن مجهودهم يذهب هباء مثل عصفور يهمس في أذن ديناصور. لذلك واضح أنه لا أحد يستمع ولا فائدة من المجهود الذي يبذل. فسأستخدم الآن أسلوب الصدمة لعلي أحدث فارقًا. من المعروف أن أطراف اللعبة ثلاثة كاتب ودار نشر وجمهور. بالطبع لا يمكننا كمثقفين منع الكتاب المديوكر من الكتابة ولا تفخيخ دور النشر المديوكر (بالمناسبة دور النشر المحترمة تعد على أصابع اليد الواحدة) ولا هذا دورنا ولكن دورنا وواجبنا هو توعية القارئ الذي هو السبب الأوحد والمباشر في نجاح الرديء والركيك وزيادة عدد الكتاب المديوكر. صدقوني عندما أقول أن هناك كتاب شباب ممتازين ومعجونين موهبة يستدينون لينشروا رواية أو كتاب لأن ما يكتبونه لا يروق لدور النشر السيئة إياها. فبسببك أنت عزيزي القارئ وبسبب اختياراتك يفشل كاتب مميز في الاستمرار بينما الكاتب المديوكر يتمتع بالنجاح والشهرة. لو لم تكن كسولًا ومهملًا ورديء الذوق لما حدث كل هذا التردي. لو أنك فقط أتعبت نفسك قليلًا وقويت لغتك العربية واستمعت إلى رأي غيرك وتركت الرديء وبدأت في قراءة الجيد، ربما ستجد هذه الأعمال القوية مملة ولكن في الحقيقة اعذرني أنت الممل هنا. أنت الذي عودت عقلك على هضم التسالي وكتابات الركاكة فلم يعد يستوعب الأدب الجيد القوي. أنت الذي لا تستطيع الاحتمال قليلًا وقراءة المزيد من الأعمال الجيدة حتى يرتقي عقلك وتستوعب هذه الأعمال وتفهمها حقًا. والحل سيأتي من عندك أنت

إذا كانت الدولة مهملة في أبسط احتياجات المواطن المصري هل تعتقد أنها ستلتفت للثقافة، دولة تغلق المكتبات ستسعد لو أصبح الشعب المصري كله يرفل في جحيم الأمية. إذن بإمكانك أنت فقط أن تصير الحل، ثقف نفسك واقرأ الأدب الجيد، صدقني حتى لو أوحى لك غرورك بأنك مثقف فإن قارئ روايات أحمد مراد ومحمد صادق ومحمود بكري وعبير عبد الرحمن وأمثالهم أبعد ما يكون عن الثقافة. وحتى لو قرأت الأدب الجيد لن تكون مثقفًا لأن الثقافة مفهوم أوسع بكثير من مجرد القراءة. ولو رشح لك أحدهم رواية قوية (ثلاثية غرناطة مثلًا) ووجدتها –بمعاييرك المديوكر- رواية مملة فاصبر قليلًا، فالفائدة المرجوة عظيمة جدًا. ستقوى لغتك وستزداد حصيلتك اللغوية وستكتسب معلومات من معارف مختلفة وتفهم الحياة أفضل بكثير ما ستفهمه من قراءة الأدب الركيك السطحي، وسترتقي كإنسان ويصبح لك اتجاهات وآراء في الحياة. فقط اصبر قليلًا حتى تتكون في داخلك ذرات اللغة والوعي القادرة على قراءة هذه الأعمال. إن لم تفعل ذلك كله فنحن مقبلون على لغة مفككة وأدب جدير بالكتابة على جدران المراحيض وظهر أكياس المقرمشات في العشر سنوات القادمة، لأن من شبه المستحيل في حالة الموت السياسي التي نعاني منها أن يحدث تغيير سياسي وتتغير منظومة التعليم البائسة. السؤال هنا: نحن الآن بلغنا قاع الانحطاط في الأدب فماذا يمكن أن يحدث في العشر سنوات القادمة؟


No comments:

Post a Comment