Friday, August 24, 2018

المداومة على قراءة الروايات الرديئة تجعلك غبيًا!

المداومة على قراءة الروايات الرديئة تجعلك غبيًا!

مقدمة
إلى كل من سيقرأ هذا المقال وهو لا يعترف بأن ما يقرؤه رديء، أو ربما يعرف في قرارة نفسه وينكر ذلك أمام الآخرين. كل كلمة جاءت في هذا المقال أو وصف "رواية رديئة" ليس الغرض منه انتقادك أو إهانتك. ولست أدعي الثقافة أو الذكاء، ولا أعتقد أن من يقرأ الرواية الرديئة إنسان رديء أو أي شيء من هذا القبيل. فلا تفسر هذا المقال على أنه إساءة، بل نصيحة مخلصة من قارئ مخضرم. لا داعي للأسلوب الدفاعي في الحديث والهجوم على الكاتب، بل اقرأ بتمعن وحاول الاستفادة من المقال قدر الإمكان.

ما هي الرواية الرديئة؟
باختصار الرواية الرديئة هي الرواية الحديثة المنتشرة التي تكتب بالعامية أو بفصحى ركيكة وبأسلوب مليء بالأخطاء النحوية والإملائية وتقدم حبكة طفولية ساذجة مستوحاة من أحد الأفلام الهندية، وشخصيات مسطحة غير مرسومة بذكاء، وفكرة مقحمة أو غير واقعية. لا يجب أن تكون الرواية رديئة في كل شيء حتى تعد رديئة، فيكفي أن يكون بعض عناصر الرواية رديء حتى تعد رديئة. قد تكون اللغة ممتازة وقوية وحبكة العمل سخيفة مكررة مثل روايات أحلام مستغانمي. ما هي مشكلة هذه الرواية ولماذا لا ينصح بقراءتها؟ سنناقش هذا السؤال في جزء تالِ من المقال لكن ما أريد قوله هنا أن كاتبها لا يحترم عقل القارئ وينحدر بثقافته ولغته وفكره بدلًا من الارتقاء به.

كيف تجعلك المداومة على قراءة الرواية الرديئة غبيًا
قبل الدخول في التفاصيل، يجب أن نعرف أن هناك ثلاثة أنواع من القراء:
1- قارئ لا يرتضي إلا بالأدب القيم. وهذا النوع بمنأى عن الخطر.
2- قارئ يدرك أن هذه الروايات رديئة ولكن يقرأها أحيانًا بسبب الملل وروتين الحياة. هذا النوع أيضًا آمن.
3- قارئ يدمن قراءة هذه الروايات. هذا النوع من القراء في خطر.

حسنًا لماذا تجعلك المداومة على قراءة الروايات الرديئة غبيًا؟ لعدة أسباب.
أولًا: يقف ذكاءك اللغوي وحصيلتك اللغوية عند مرحلة طفولية حيث يقدم لك كتاب هذه الروايات لغة ضعيفة وركيكة أو روايات مكتوبة بالعامية لا تجعلك قادر –في حالة المداومة على هذه الروايات- على قراءة روايات قيمة أو كتب مفيدة لأن مستواك اللغوي منخفض للغاية. وأنت لا تسمح لنفسك بتقوية لغتك لأنك لا تريد إلا قراءة الروايات الرديئة، وحتى في حالة أردت تجربة رواية قوية أو كتاب مفيد ستعجز بسبب الجهل وضعف اللغة لديك. إذا كان الكاتب الذي تقرأ روايته بهذا المستوى السخيف من الضعف لدرجة استخدام العامية أو الكتابة بلغة مهترءة، فما بال القارئ!
ثانيًا: عندما أصبحت القراءة موضة صار الناس يقرأون من أجل التسلية الرخيصة. وسواء كان الكاتب مراهقًا أو شابًا فبحثك عن التسلية بقصة رعب أو رومانسية لا تستحق إلا أن تكتب على ورق المراحيض، يجعلك لا تُعمل العقل ولا تقرأ الكتب ليستفيد من المعلومات والخبرة الموجودة بها، أو الروايات القوية وتستمتع بحبكة ذكية. مداومتك على قراءة الرواية الرديئة بحبكتها الطفولية الساذجة (مثل أرض زيكولا) أو الشبيهة بالأفلام الهندية (مثل روايات دعاء عبد الرحمن وخولة حمدي) يجعلك تتعامل مع القراءة بعاطفتك وليس بعقلك وتتغاضى عن الأخطاء في كل ما هو مكتوب وهذا يجعلك تهمل عقلك فيما تقرأ.

ثالثًا: بما أن الأفكار ضحلة جدًا داخل هذه الروايات، فليس هناك فائدة ثقافية أو فكرية من هذه القراءة. دان براون مثلًا ليس بالأديب العظيم لكنه يمنحك الكثير والكثير من المعلومات في كل من رواياته. بينما بعض الأدباء يثرون ثقافتك بخلفيات تاريخية وثقافية لدول مختلفة، أو بإثارة تعاطفك مع قضايا مهمة مثل العدل والمساواة، أو يؤثر في نضج رؤيتك للعالم. في النهاية أنت تداوم على قراءة روايات سخيفة ليس بها أفكار قوية وواقعية.
النتيجة
أما نتيجة تعاملك مع ما تقرأه بعاطفتك وليس بعقلك والضحالة الفكرية لديك وضعف لغتك وقدرتك على قراءة عمل يتمتع بلغة قوية، فهي نتيجة سيئة جدًا. أولًا أنت لا تكتشف الأخطاء في هذه الأعمال الأدبية الرديئة، ولذلك تستمتع بها وسواء كنت تقرأها مجانًا أو اشتريتها فأنت تصنع شهرة ونجاح الكاتب الفاشل الذي لا يحترم عقلك. ثانيًا أنت عاجز عن قراءة رواية قوية اللغة والفكر أو كتاب يعزز ثقافتك. ثالثًا: سيظل كل من لغتك وثقافتك ورجاحة عقلك عند مستويات طفولية. ومرة بعد مرة وبعد قراءة عشرات من هذه الروايات ستصبح بليدًا، لأن عدم التفكير وتحكيم العقل يجعل الإنسان غبيًا فكأنه غير موجود بالأساس، آخذين في الحسبان كم الوقت الذي يضيع في قراءة هذا الهراء. أنت تقرأ ما تتصور أنه يجذبك فقط فأي شيء مخالف قد تتصور أنه ممل لكنه في الحقيقة أقوى وأصعب من قدرتك على القراءة.

لقد قرأـت ذات مرة تعليقًا طريفًا لأحد هؤلاء القراء يقول أن رواية الجريمة والعقاب لدوستويفسكي أخذت شهرة لا تستحقها وأنها رواية سيئة. بالطبع
 قراءة رواية لدوستويفسكي أديب التحليل النفسي تحتاج لجيش من الأطفال حتى يفهموا محتواها!

ما الدليل على كل هذا
ما أقوله لك لا يستند إلى دليل علمي، بل إلى الخبرة وكثرة التعامل والاحتكاك مع القراء. فمن تقرأ له هذا المقال قارئ منذ 20 عامًا، وعاشق للأدب القيم وما يفسر عدم انجرافه إلى ذلك الفخ هو أني قرأت وتعلمت وأحببت الأدب من قبل أن تظهر هذه الموجة العاتية بفترة. الآن كل من هب ودب يريد أن يصبح كاتبًا، فالكتابة تحقق الثراء السريع والشهرة، أيًا كان الهراء الذي يكتب. ربما وقعت في فخ الروايات التي حققت شهرة كبيرة في بداية انتشار هذه الموجة ولكن بعد روايتين سيئتين للغاية هما هيبتا وفي قلبي أنثى عبرية لم أعد أقرأ للكتاب الشباب إلا قلة منهم، مؤخرًا صرت أقرأ هذه الروايات لعدة كتاب لألحظ التقدم الذي أحرزوه لكن لا شيء يذكر.

أما الخبرة فتأتي من أمرين القراءة وامتلاك خبرة كبيرة في التمييز بين الغث والسمين ومعرفة أن هذه الرواية قيمة وهذه رديئة من بعض الدلائل البسيطة. والأمر الآخر هو تعاملي مع الكثير من القراء عبر المجموعات الثقافية. كثيرًا ما رأيت منشورات تتحدث عن صعوبة قراءة رواية أو كتاب ما لنفس الأسباب التي أتحدث عنها، ناهيك عن أن بعض من يكتبون هذه المنشورات هم بالفعل كُتاب. لا أعلم ما الذي سيحدث بعد عشرين عامًا قد يتحول قارئ هذه الروايات إلى كائن بجسم إنسان وعقل رضيع لا يتوقف عن مص أصابعه.
الحل

توقف فورًا عن كل قراءة كل هذه الروايات الرديئة. حتى إذا كنت لست تهدف إلى اكتساب الثقافة وتقوية اللغة، ليست كل الروايات المسلية سخيفة مثل هذه الروايات. يمكنك قراءة أعمال د/ أحمد خالد توفيق، أو روايات غيوم ميسو الرومانسية، أو حتى أليف شفق. أما إذا أردت الارتقاء خطوة فعليك بالروايات العالمية الحائزة على جائزة نوبل في الآداب، والأدب العربي القديم بأجياله المختلفة. ولا يجب أن تظل حبيس الروايات فقط، نعم كل قارئ لديه ما يفضله، لكن هناك كتب مكتوبة بأسلوب أدبي وشيقة جدًا يمكنك البدء بها. نعم ستجد صعوبة في بادئ الأمر بقراءة هذه الروايات والكتب، لكن ستصل إلى المتعة الحقيقية. لذلك أنصحك بقراءة روايات وكتب أسهل في أول الأمر، لا داعي أن تبدأ بالعقاد أو نجيب محفوظ.

ختامًا
أنت تعرف أن حال التعليم والثقافة في الوطن العربي من أسوأ ما يكون. أعلم أنك ربما تكون وقعت ضحية هذه الروايات بسبب ترشيح سيء. لكن عليك أن تعلم نفسك بنفسك، ولديك الانترنت يمكنك تقوية لغتك وتصحيح أخطاءك الإملائية لتكتسب قدرة أعلى على قراءة الأدب القيم أو الكتب المفيدة. صحيح أن هناك من يبذل الكثير من الجهد لمساعدة القارئ المبتدئ لكن يجب أن تنتهز الفرصة وتساعد نفسك، لا تنتظر المساعدة من أحد. لا تطلب ترشيح من أحد فمعظم من يرشحون غير أمناء على هذه المسؤولية. ابحث بنفسك وتعلم التمييز بين الغث والسمين. لا تطلب رأيًا من أحد ولكن اعتمد على عقلك في تحليل العمل الأدبي، واستخرج نقاط الضعف والقوة منه، واكتشف مدى تماسك الحبكة وجودة الفكرة. ستصل أسرع إذا اعتمدت على نفسك ولم تستعن إلا بالقارئ الواعي.


No comments:

Post a Comment