Monday, February 20, 2017

أسباب التراجع الكبير للأدب العربي

بدايةً، وقبل الخوض في أسباب التراجع التي أحاول رصدها في هذا المقال، أريد أن أوضح للقارئ الكريم أنني سأستخدم أمثلة من الأعمال الأدبية الحديثة لتوضيح وجهة النظر التي أطرحها. وجدير بالذكر أن أي نقد سيوجه لأي عمل أدبي في المقال سيكون لأسباب أدبية بحتة وحسب. السبب الأول والأهم فيما آل إليه الأدب العربي حالياً من تراجع هو هبوب تيارين محدثين يعصفان بالأدب بما يصدر عنهما من أعمال ركيكة وساذجة وبعيدة كل البعد عن الإبداع والأصالة والنضج الفكري. أول هذين التيارين هو تيار الركاكة اللغوية والكتابة بالعامية وسذاجة الفكر وهو التيار الأكثر انتشاراً حتى الآن. وليس كتاب هذا التيار متقاربي الفكر والتوجه مثل كتاب التيار الآخر، ولكن ما هم متساويين فيه هو بلادة الفكر وركاكة اللغة وبدائية الحبكة والسرد وضعف الثقافة، وإلى حد ما سرقة الأفكار من أعمال أجنبية سينمائية كانت أو أدبية. مع كل الاحترام لهؤلاء الكتاب، لا بد من الإشارة إلى حقيقة مؤكدة وهي الانحدار الشديد في مستوى أعمالهم والنزول بالأدب إلى مستوى سوقي بدلاً من الارتقاء بذوق القارئ وعدم احترام عقل القارئ. فعلى سبيل المثال، روايات مثل هيبتا والجزار وأرض زيكولا ومالك والفيل الأزرق وأحببتك أكثر مما ينبغي وأنت لي لا تحمل مضموناً فكرياً بقدر ما تحمل انحطاطاً أدبياً. أما التيار الآخر فهو تيار ما يسمى بالروايات الملتزمة، فرغم سخافة التسمية يقيم القراء هذه الروايات حسب قدر الاستفادة الدينية وليس حسب جودة العمل. يتميز كتاب هذا التيار عن غيرهم بلغة جيدة ولكن ضعف الثقافة وإقحام أفكار التعصب الديني والدعوة الدينية وانعدام الحرية لدى هؤلاء الكتاب وانغلاقهم على أنفسهم وعدم الانفتاح على الأدب الجيد سواء كان عربياً أو عالمياً يخلق أعمالاً غاية في السوء. فعلى سبيل المثال، روايات مثل قطة في عرين أسد واغتصاب ولكن تحت سقف واحد والرجل ذو اللحية السوداء وفي الحلال وفي قلبي أنثى عبرية تعد أشهر ما أنتج كتاب هذا التيار. لا شك أنه عند تنحية الفكرة الدينية والنظر إلى الرواية كرواية وحسب، نجد كل هذه الروايات ضعيفة جداً فكرياً وذات حبكة تشبه أفلام بوليوود أو أكثر إغراقاً في الخيال الذي يتجاوز حدود الواقعية لدرجة السذاجة والبلاهة المفرطة. رواية في قلبي أنثى عبرية مثلاً قد تجد تقييمها على موقعgood reads أعلى من تقييم إحدى روايات تشارلز ديكنز أو دوستويفسكي رغم سوئها وحاول فقط أن تقنع محبيها بهذا السوء لينصب عليك جام غضبهم وتعصبهم للرواية. إذن لماذا تنجح أمثال هذه الروايات نجاحاً كبيراً تلاقي إقبالاً يصل طبعات بعضها إلى عشرين طبعة أو أكثر؟
 
هذا السؤال يقودنا إلى السبب الثاني لتراجع الأدب العربي. أولاً لضعف ثقافة المتلقي الشاب وانعدام قدرته على التمييز بين الغث والسمين، وثانياً لأن هذه الأعمال تلاقي صدىً في نفوس القراء المبتدئين خاصة الفتيات اللاتي يعانين من كبت عاطفي فكأن هذه الروايات وخاصة الرومانسية هي بمثابة المخدرات التي تمنح القراء في خيالهم ما لم يجدوه في واقعهم. وثالثاًً لأن بعض القراء يرغبون في قراءة أعمال مختلفة فيلجؤون لروايات الرعب التي لا أجد فيها رعباً حقيقياً. وأخيراً لأن تلك الرواية الملتزمة تلبي حاجة القارئ الذي لا يحب أن يقرأ رواية بها بعض الألفاظ البذيئة أو الكتابة الإباحية.
 
بعد تناولنا لطرفي اللعبة المؤلف والقارئ نأتي إلى الطرف الثالث وهو الناشر. الناشر وهو السبب الثالث من أسباب تراجع الأدب العربي لم يعد يؤدي أي دور فني. فأصبح مجرد تاجر لا يهمه إلا الربح حتى ولو قاده ذلك إلى نشر الروايات الرديئة والترويج لها.
 
وختاماً أقول للقراء المبتدئين ليس من الخطأ بداية مشوار القراءة بهذه الأعمال رغم رداءتها، ولكن الخطأ الكبير هو عدم التطور والفهم لأي درجة هذه الأعمال سيئة وترك روايات جادة وقوية وكتب مفيدة وقيمة ومداومة قراءة هذه الروايات الرديئة. كما أن من المعيب أيضاً السخرية والتعالي على القارئ المبتدئ لانحيازه لهذه الروايات، بالعكس يجب علينا توجيهه وترشيح الأعمال الجيدة له.
 
ختام هذا المقال والخلاصة التي أرجو أن يخرج بها القارئ الشاب هو بعض النصائح والترشيحات:
1- انتماءك إلى كتاب جيلك الشباب لا يعني التشبث بالرديء من الأعمال الأدبية، فهناك كتاب مبدعون من الجيل الحالي أحب أن أرشدك إلى قراءة أعمالهم مثل: إبراهيم أحمد عيسى وإبراهيم فرغلي ومحمد ربيع من مصر، حمور زيادة من السودان، وسعود السنعوسي وبثينة العيسى من الكويت، وخالد خليفة من سوريا.
2- حاول قراءة الأدب المترجم فستجد روائع عالمية لكتاب أمثال جورج أورويل وتشارلز ديكنز وألدوس هكسلي وسومرست موم وبرنارد شو وسكوت فيتزجيرالد وجيمس جويس وجاين اوستين من بريطانيا، وأونوريه دي بلزاك وجوستاف فلوبير وجي دي موباسان وفيكتور هوجو وجول فيرن وألبير كامو وسيمون دي بوفوار وإميل زولا من فرنسا، وامبرتو ايكو والبرتو مورافيا من إيطاليا، وفرانز كافكا وجوته وهيرمان هيسه من ألمانيا، وجوزيه ساراماجو من البرتغال، وميلان كونديرا وقسطنطين جورجيو من شرق أوروبا، وفيودور ديستويفسكي وليو تولستوي وأنطون تشيخوف وبوريس باسترناك وفلاديمير نابوكوف وفاسيلي شوكشين من روسيا، وهنري جيمز ودان براون وجون جريشام ومارك توين من أمريكا، وجابرييل جارسيا ماركيز وجورجي أمادو وإيزابيل الليندي وكارلوس فوينتس من أمريكا اللاتينية. قد تجد هذه الروايات في البداية ثقيلة وصعبة الاستيعاب حاول استئناف قراءتها وقراءة الكثير منها وستجدها غاية في الروعة.
3- اقرأ لعمالقة ورواد الأدب العربي أمثال نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وطه حسين وسلامة موسى ويوسف إدريس ويوسف السباعي وحنا مينة والطيب صالح وعبد الحميد جودة السحار ومحمد عبد الحليم عبد الله.
4- احصل على معجم اللغة العربية الصادر عن المجمع اللغوي واقتني مفكرة لتدوين الكلمات غير المعروفة بعد البحث عن معناها في المعجم لتنمية حصيلة لغوية جيدة.
 

No comments:

Post a Comment