مقدمة:
تكررت أسئلة القراء في المجموعات الثقافية
عن كيفية تكوين الحصيلة اللغوية. توقف قراء آخرون عن قراءة كتب الرواد مثل العقاد
والرافعي بسبب قوة وصعوبة لغة هذه الكتب، ما لفت نظري إلى أهمية هذا الموضوع. إن
ضعف اللغة لدى شبابنا راجع إلى رداءة التعليم الذي نتلقاه. وهذا الضعف تسبب في
وجود جيل حديث من الروائيين لا يتميز أغلبهم بلغة قوية جزلة أو أسلوب جيد. فتعيب
كتاباتهم ركاكة وضعف لغوي أو أنهم يكتبون بالعامية، وهذا أسوأ. وساهم هذا في ضعف
لغة القراء لأنهم يداومون على قراءة هذه الأعمال. إن تكوين حصيلة لغوية مفيد جداً
وضروري لكل من القارئ والكاتب. ككاتب، فأنت لا يمكن أن تكون كاتباً مميزاً بدون
لغة قوية. أما كقارئ، فلن تستطيع تكوين حصيلة لغوية جيدة طالما أنت تقرأ هذه
الروايات الركيكة، عليك بالتحول إلى روايات الأدب العربي القديم الزاخرة بلغة
جميلة وقوية. حتى الإنسان العادي يحتاج إلى لغة قوية وأسلوب ذا رونق حتى ينجح
ويعبر عن نفسه، فدائماً الإنسان اللبق المتكلم ناجح وينال إعجاب الجميع. في جزء
تالٍ من هذا المقال سأحاول مساعدة القراء الأعزاء بوسائل لتكوين حصيلة لغوية.
أهمية
اللغة:
لن أفيض في شرح
هذا الموضوع فقد وضحته بإيجاز فيما سبق. يشير الباحثون إلى أن اللغة هي أساس مهم للـحـيـاة الاجـتـمـاعـيـة أو ضـرورة مـن أهـم ضروراتها لأنها أساس لوجود التواصل في هذه
الحيـاة وأسـاس لـتـوطـيـد سبل التعايش فيها، فهي وسيـلـة الإنـسـان لـلـتـعـبـيـر عـن حـاجـاتـه ورغـبـاتـه وأحاسيسه ومواقفه
وطريقه إلى تصريـف شـؤون عـيـشـه وإرضـاء غـريـزة الاجتماع لديه. فإن
الإنسان يعتمد اعتماداً كلياً على ما لديه من قدرة لغوية لتحقيق مآربه. ولا تقتصر
وظيفة اللغة على إمداد الـفـرد بـالأفـكـار والمعلومات ونـقـل الحصيلة اللغوية
الأحاسيس إليه بل إنها تعمل على إثارة أفكار وانفعالات ومواقف
جديدة لديه وتدفعه إلى الحركة والتفكير وتوحي له
بأنه يعمل على تفتيق ذهنه وتوسيع آفاق خياله وتنمية قدراته
الإبداعية.
إذا كنا نتحدث عن أهمية
اللغة لأي إنسان بما يتضمن القارئ، فالأحرى أن يهتم الكتاب باللغة اهتماماً كبيراً
فهي الأداة الرئيسية لأي كاتب وبدون لغة قوية لا يعد كاتباً من وجهة نظري التي
تحتمل الصواب والخطأ. والكاتب ليس سوى قارئ في المقام الأول، على الكتاب والراغبين
في ممارسة الكتابة في المستقبل الإكثار من القراءة وخاصة الأدب العربي القديم
والأدب العالمي. لا يمكن أن تكون كاتباً وأنت تنحدر بثقافة القارئ وتؤمن له بعض
المخدرات ليسكن بها فراغه العاطفي، فواجبك أن ترتقي بثقافته. لا يمكن أن تكون
كاتباً وأنت على هذه الدرجة الخطيرة من الركاكة اللغوية والضحالة الفكرية، أنصح
هؤلاء بأن يعودوا للقراءة وأن يثقفوا أنفسهم. انظر ماذا قال عميد الأدب العربي طه
حسين عن الكتاب الجدد في عصره (والمقصود جيل الستينيات): إن أدب الشباب أدب ضحل لا
عمق فيه، فالشباب لا يقرأ الأدب العربي القديم، ومن يعف منهم لغة أجنبية يمكنه أن
يقرأ آداب لغات أجنبية مختلفة ولكنه لا يقرأ، وبغير قراءة الأدب القديم لن ينتج
الشباب أدباً يستحق الخلود، ويكون امتداداً لأدب الشيوخ، وقد ظهرت في فرنسا جماعة تدعو
إلى الكتابة الأدبية دون اكتراث بالقراءة الجادة، لكنها فشلت في دعوتها، وتراجعت
عن المضي في طريقها، فلكي يكتب الشباب أدباً أصيلاً، أدباً جديراً بالبقاء، يجب
عليه إذن أن يقرأ كثيراً في القديم والحديث، وألا تشغله المدنية الحديثة
بمخترعاتها مثل السينما والراديو والتليفزيون عن القراءة الواعية المتعمقة، وأرجو
أن يقبل الشباب على تراثنا القديم والحديث، وأن يقبل كذلك على تراث الآداب
الأجنبية، حتى تعمق ثقافته، وتستقيم لغته، وتتسع آفاقه، ويصبح بذلك أهلاً لإنتاج
أدب أصيل جدير بالبقاء، أدب يخلف أدب الشيوخ ولا يعرف الضحالة، أو ركاكة العبارة
وسُوقيتها. قال العميد ذلك عن جيل الستينيات وهذا الجيل أخرج لنا عظماء مثل بهاء
طاهر وإبراهيم عبد المجيد وصنع الله إبراهيم وخيري شلبي. ترى ماذا كان سيقول
العميد لو رأى الضحالة الفكرية والركاكة اللغوية التي وصل إليها حال الأدب الآن؟
أترك لكم الإجابة على هذا السؤال.
قبل تنمية حصيلتك
اللغوية:
لدي هنا وقفة مهمة، فكما
أسلفت أن التعليم الذي نتلقاه في بلادنا تعليم رديء. ولذلك فالكثير منا يعانون من
ضعف اللغة العربية لديهم فهم يرتكبون أخطاء بالجملة إملائية ونحوية. هناك من لا يستطيع
التفرقة بين الهمزة والتاء المربوطة، وهناك من ينصب المبتدأ ويرفع الخبر. لا ألقي
باللوم عليهم فهم ضحية تعليم رديء ودولة مهملة في النهاية. لذلك أرى أن التعلم
الذاتي أمر لا غنى عنه في ظل هذا الوضع، والتعليم الذاتي يعني أن تعلم نفسك بنفسك
بدون اللجوء لأساليب التعليم التقليدية، وقد قمت بهذا وأفادني كثيراً في تعلم
اللغة الإنجليزية وبرامج الحاسوب. أنصح كل من لديه ضعف في اللغة أن يمارس التعلم
الذاتي عن طريق اقتناء ودراسة كتب الإملاء والنحو. هذه الكتب مهمة جداً في
المستقبل حتى بعد نهاية فترة التعلم، فيمكنك الرجوع إليها في أي وقت للتأكد من أي
قاعدة لغوية أو إملائية. يتم التعلم الذاتي عن طريق انتقاء درس لليوم، يقرأ الدرس
جيداً ويتم استيعابه ويجب الاهتمام بالإعراب خصوصاً، فالإعراب هو ما سيمكنك من
الكتابة الصحيحة لغوياً. بعد الانتهاء من الدرس من الأفضل أن يتم ممارسة تمارين
على الدرس من خلال كتابة بعض الجمل التي تشتمل على القاعدة اللغوية وإعراب هذه
الجمل بطريقة صحيحة. افعل نفس الأمر بالنسبة لدروس الإملاء، قراءة الدرس ثم إجراء
تمارين عليه.
تكوين الحصيلة
اللغوية:
من
الجدير بالذكر أن تكوين حصيلة لغوية ليس أمراً صعباً. فهناك العديد من الكلمات
الجديدة ستعلق بذهنك وأنت تقرأ، وبالخبرة أقول لك أنك ستشعر بالبهجة لتذوق هذه
الكلمة الجديدة وستستخدمها في المستقبل حديثاً وكتابة. من الأمور المساعدة على
تكوين الحصيلة اللغوية، والتي ساعدتني عندما كنت طالباً، المداومة على قراءة الشعر
وخاصة الشعر القديم. فالشعر القديم ابتداءً من الشعر الجاهلي ومروراً بالشعر
الأموي ووصولاً إلى شعر مدرسة الإحياء العظيمة ورائدها الرائع محمود سامي البارودي
وشعراءها أحمد شوقي وحافظ إبراهيم ومعروف الرصافي وغيرهم، هذا الشعر مفيد جداً
لتكوين حصيلة لغوية فهو غزير بالكلمات الرصينة والجماليات. وفي الأدب القديم حاول
قراءة بعض الروايات الوصفية أو الاهتمام بعنصر الوصف في الرواية التي تقرأها لأن
الوصف في الأدب العربي القديم غالباً ما يتميز بلغة قوية وأسلوب رائع. البعض يرى
الوصف مملاً أو حشواً زائداً عن الحاجة لكن الحقيقة غير ذلك، فالوصف هو الأداة التي
تدخلك في جو الرواية وتوحي لخيالك بأنك داخل أمكنة الرواية. كما أن قراءة الأدب العربي
القديم يعد منبعاً ليس فقط للحصيلة اللغوية ولكن أيضاً للإبداع الأسلوبي الذي يمتع
القارئ ويفيد الكاتب. يمكننا تصور اللغة على أنها الأحجار الكريمة والمعادن
النفيسة والأسلوب هو قطعة الحلي الذي صنعتها يد الصائغ المبدع من هذه المعادن
والأحجار بطريقته الخاصة. يمكن تكوين حصيلة لغوية جيدة بأفضل طريقة ممكنة بالخطوات
التالية:
1- اقتني معجم عربي-عربي صادر
عن المجمع اللغوي ومفكرة، كبديل عن فكرة المعجم إذا لم يتوفر لك استخدم موقع الباحث
العربي http://www.baheth.info.
2- اقرأ نصاً جيد الأسلوب،
وعند العثور على كلمة جديدة تذوق الكلمة، حاول تخمين معناها بواسطة سياق الجملة
الواردة فيه.
3- ابحث في المعجم للتأكد
من معنى الكلمة ثم دونها في المفكرة مع التعريف الخاص بها الوارد في المعجم.
4- بعد معرفة معنى الكلمة،
اكتب هذه الكلمة عدة مرات في ورقة ثم أعد تركيبها في جمل من إنشائك.
5- أوجد عدة مرادفات لهذه
الكلمة ثم دونها في المفكرة.
ختاماً:
أرجو أن يكون المجهود
المتواضع الذي بذلته في المقال مفيداً لكم. وأكرر ما أعتبره رسالتي الثقافية على
أمل أن تصل إلى أكبر عدد ممكن من القراء الأعزاء: فضلاً لا أمراً حافظ على لغتك
وهويتك بإتقانك لها، واقرأ الجيد واترك الرديء. إذا حاولت أن تطبق نصيحتي وتقرأ
الجيد خاصة الأدب العربي القديم ستكتشف كم هي جميلة لغتنا، وكم هي بديعة تعبيراتها
وألفاظها عندما يكتب بها أديب مبدع، وكم تشوه عندما ينعكس عليها قبح وركاكة كتاب هذه
الأيام.