Monday, February 20, 2017

اللغة العربية في الأدب: كيف تكون حصيلة لغوية



مقدمة:
تكررت أسئلة القراء في المجموعات الثقافية عن كيفية تكوين الحصيلة اللغوية. توقف قراء آخرون عن قراءة كتب الرواد مثل العقاد والرافعي بسبب قوة وصعوبة لغة هذه الكتب، ما لفت نظري إلى أهمية هذا الموضوع. إن ضعف اللغة لدى شبابنا راجع إلى رداءة التعليم الذي نتلقاه. وهذا الضعف تسبب في وجود جيل حديث من الروائيين لا يتميز أغلبهم بلغة قوية جزلة أو أسلوب جيد. فتعيب كتاباتهم ركاكة وضعف لغوي أو أنهم يكتبون بالعامية، وهذا أسوأ. وساهم هذا في ضعف لغة القراء لأنهم يداومون على قراءة هذه الأعمال. إن تكوين حصيلة لغوية مفيد جداً وضروري لكل من القارئ والكاتب. ككاتب، فأنت لا يمكن أن تكون كاتباً مميزاً بدون لغة قوية. أما كقارئ، فلن تستطيع تكوين حصيلة لغوية جيدة طالما أنت تقرأ هذه الروايات الركيكة، عليك بالتحول إلى روايات الأدب العربي القديم الزاخرة بلغة جميلة وقوية. حتى الإنسان العادي يحتاج إلى لغة قوية وأسلوب ذا رونق حتى ينجح ويعبر عن نفسه، فدائماً الإنسان اللبق المتكلم ناجح وينال إعجاب الجميع. في جزء تالٍ من هذا المقال سأحاول مساعدة القراء الأعزاء بوسائل لتكوين حصيلة لغوية.

أهمية اللغة:
لن أفيض في شرح هذا الموضوع فقد وضحته بإيجاز فيما سبق. يشير الباحثون إلى أن اللغة هي أساس مهم للـحـيـاة الاجـتـمـاعـيـة أو ضـرورة مـن أهـم ضروراتها لأنها أساس لوجود التواصل في هذه الحيـاة وأسـاس لـتـوطـيـد سبل التعايش فيها، فهي وسيـلـة الإنـسـان لـلـتـعـبـيـر عـن حـاجـاتـه ورغـبـاتـه وأحاسيسه ومواقفه وطريقه إلى تصريـف شـؤون عـيـشـه وإرضـاء غـريـزة الاجتماع لديه. فإن الإنسان يعتمد اعتماداً كلياً على ما لديه من قدرة لغوية لتحقيق مآربه. ولا تقتصر وظيفة اللغة على إمداد الـفـرد بـالأفـكـار والمعلومات ونـقـل الحصيلة اللغوية الأحاسيس إليه بل إنها تعمل على إثارة أفكار وانفعالات ومواقف جديدة لديه وتدفعه إلى الحركة والتفكير وتوحي له بأنه يعمل على تفتيق ذهنه وتوسيع آفاق خياله وتنمية قدراته الإبداعية.

إذا كنا نتحدث عن أهمية اللغة لأي إنسان بما يتضمن القارئ، فالأحرى أن يهتم الكتاب باللغة اهتماماً كبيراً فهي الأداة الرئيسية لأي كاتب وبدون لغة قوية لا يعد كاتباً من وجهة نظري التي تحتمل الصواب والخطأ. والكاتب ليس سوى قارئ في المقام الأول، على الكتاب والراغبين في ممارسة الكتابة في المستقبل الإكثار من القراءة وخاصة الأدب العربي القديم والأدب العالمي. لا يمكن أن تكون كاتباً وأنت تنحدر بثقافة القارئ وتؤمن له بعض المخدرات ليسكن بها فراغه العاطفي، فواجبك أن ترتقي بثقافته. لا يمكن أن تكون كاتباً وأنت على هذه الدرجة الخطيرة من الركاكة اللغوية والضحالة الفكرية، أنصح هؤلاء بأن يعودوا للقراءة وأن يثقفوا أنفسهم. انظر ماذا قال عميد الأدب العربي طه حسين عن الكتاب الجدد في عصره (والمقصود جيل الستينيات): إن أدب الشباب أدب ضحل لا عمق فيه، فالشباب لا يقرأ الأدب العربي القديم، ومن يعف منهم لغة أجنبية يمكنه أن يقرأ آداب لغات أجنبية مختلفة ولكنه لا يقرأ، وبغير قراءة الأدب القديم لن ينتج الشباب أدباً يستحق الخلود، ويكون امتداداً لأدب الشيوخ، وقد ظهرت في فرنسا جماعة تدعو إلى الكتابة الأدبية دون اكتراث بالقراءة الجادة، لكنها فشلت في دعوتها، وتراجعت عن المضي في طريقها، فلكي يكتب الشباب أدباً أصيلاً، أدباً جديراً بالبقاء، يجب عليه إذن أن يقرأ كثيراً في القديم والحديث، وألا تشغله المدنية الحديثة بمخترعاتها مثل السينما والراديو والتليفزيون عن القراءة الواعية المتعمقة، وأرجو أن يقبل الشباب على تراثنا القديم والحديث، وأن يقبل كذلك على تراث الآداب الأجنبية، حتى تعمق ثقافته، وتستقيم لغته، وتتسع آفاقه، ويصبح بذلك أهلاً لإنتاج أدب أصيل جدير بالبقاء، أدب يخلف أدب الشيوخ ولا يعرف الضحالة، أو ركاكة العبارة وسُوقيتها. قال العميد ذلك عن جيل الستينيات وهذا الجيل أخرج لنا عظماء مثل بهاء طاهر وإبراهيم عبد المجيد وصنع الله إبراهيم وخيري شلبي. ترى ماذا كان سيقول العميد لو رأى الضحالة الفكرية والركاكة اللغوية التي وصل إليها حال الأدب الآن؟ أترك لكم الإجابة على هذا السؤال.

قبل تنمية حصيلتك اللغوية:
لدي هنا وقفة مهمة، فكما أسلفت أن التعليم الذي نتلقاه في بلادنا تعليم رديء. ولذلك فالكثير منا يعانون من ضعف اللغة العربية لديهم فهم يرتكبون أخطاء بالجملة إملائية ونحوية. هناك من لا يستطيع التفرقة بين الهمزة والتاء المربوطة، وهناك من ينصب المبتدأ ويرفع الخبر. لا ألقي باللوم عليهم فهم ضحية تعليم رديء ودولة مهملة في النهاية. لذلك أرى أن التعلم الذاتي أمر لا غنى عنه في ظل هذا الوضع، والتعليم الذاتي يعني أن تعلم نفسك بنفسك بدون اللجوء لأساليب التعليم التقليدية، وقد قمت بهذا وأفادني كثيراً في تعلم اللغة الإنجليزية وبرامج الحاسوب. أنصح كل من لديه ضعف في اللغة أن يمارس التعلم الذاتي عن طريق اقتناء ودراسة كتب الإملاء والنحو. هذه الكتب مهمة جداً في المستقبل حتى بعد نهاية فترة التعلم، فيمكنك الرجوع إليها في أي وقت للتأكد من أي قاعدة لغوية أو إملائية. يتم التعلم الذاتي عن طريق انتقاء درس لليوم، يقرأ الدرس جيداً ويتم استيعابه ويجب الاهتمام بالإعراب خصوصاً، فالإعراب هو ما سيمكنك من الكتابة الصحيحة لغوياً. بعد الانتهاء من الدرس من الأفضل أن يتم ممارسة تمارين على الدرس من خلال كتابة بعض الجمل التي تشتمل على القاعدة اللغوية وإعراب هذه الجمل بطريقة صحيحة. افعل نفس الأمر بالنسبة لدروس الإملاء، قراءة الدرس ثم إجراء تمارين عليه.

تكوين الحصيلة اللغوية:
        من الجدير بالذكر أن تكوين حصيلة لغوية ليس أمراً صعباً. فهناك العديد من الكلمات الجديدة ستعلق بذهنك وأنت تقرأ، وبالخبرة أقول لك أنك ستشعر بالبهجة لتذوق هذه الكلمة الجديدة وستستخدمها في المستقبل حديثاً وكتابة. من الأمور المساعدة على تكوين الحصيلة اللغوية، والتي ساعدتني عندما كنت طالباً، المداومة على قراءة الشعر وخاصة الشعر القديم. فالشعر القديم ابتداءً من الشعر الجاهلي ومروراً بالشعر الأموي ووصولاً إلى شعر مدرسة الإحياء العظيمة ورائدها الرائع محمود سامي البارودي وشعراءها أحمد شوقي وحافظ إبراهيم ومعروف الرصافي وغيرهم، هذا الشعر مفيد جداً لتكوين حصيلة لغوية فهو غزير بالكلمات الرصينة والجماليات. وفي الأدب القديم حاول قراءة بعض الروايات الوصفية أو الاهتمام بعنصر الوصف في الرواية التي تقرأها لأن الوصف في الأدب العربي القديم غالباً ما يتميز بلغة قوية وأسلوب رائع. البعض يرى الوصف مملاً أو حشواً زائداً عن الحاجة لكن الحقيقة غير ذلك، فالوصف هو الأداة التي تدخلك في جو الرواية وتوحي لخيالك بأنك داخل أمكنة الرواية. كما أن قراءة الأدب العربي القديم يعد منبعاً ليس فقط للحصيلة اللغوية ولكن أيضاً للإبداع الأسلوبي الذي يمتع القارئ ويفيد الكاتب. يمكننا تصور اللغة على أنها الأحجار الكريمة والمعادن النفيسة والأسلوب هو قطعة الحلي الذي صنعتها يد الصائغ المبدع من هذه المعادن والأحجار بطريقته الخاصة. يمكن تكوين حصيلة لغوية جيدة بأفضل طريقة ممكنة بالخطوات التالية:
1- اقتني معجم عربي-عربي صادر عن المجمع اللغوي ومفكرة، كبديل عن فكرة المعجم إذا لم يتوفر لك استخدم موقع الباحث العربي http://www.baheth.info.
2- اقرأ نصاً جيد الأسلوب، وعند العثور على كلمة جديدة تذوق الكلمة، حاول تخمين معناها بواسطة سياق الجملة الواردة فيه.
3- ابحث في المعجم للتأكد من معنى الكلمة ثم دونها في المفكرة مع التعريف الخاص بها الوارد في المعجم.
4- بعد معرفة معنى الكلمة، اكتب هذه الكلمة عدة مرات في ورقة ثم أعد تركيبها في جمل من إنشائك.
5- أوجد عدة مرادفات لهذه الكلمة ثم دونها في المفكرة.

ختاماً:
أرجو أن يكون المجهود المتواضع الذي بذلته في المقال مفيداً لكم. وأكرر ما أعتبره رسالتي الثقافية على أمل أن تصل إلى أكبر عدد ممكن من القراء الأعزاء: فضلاً لا أمراً حافظ على لغتك وهويتك بإتقانك لها، واقرأ الجيد واترك الرديء. إذا حاولت أن تطبق نصيحتي وتقرأ الجيد خاصة الأدب العربي القديم ستكتشف كم هي جميلة لغتنا، وكم هي بديعة تعبيراتها وألفاظها عندما يكتب بها أديب مبدع، وكم تشوه عندما ينعكس عليها قبح وركاكة كتاب هذه الأيام.

فوائد قراءة الأدب من منظور علمي


مقدمة
اندهشت كثيراً أمام تلك الحملة شبه المنظمة التي تشن على الأدب في مجموعات القراءة وتتفه من قيمته وتطالب القراء بقراءة الكتب بدلاً من الروايات بحجة أن الروايات لا قيمة لها. حالياً ازددت اهتماماً بالموضوع بعد قراءة منشور لأحد الأعضاء يقسم القراء إلى مثقفين وغير مثقفين حسب ما يقرؤونه، فالمثقفين من وجهة نظره هم من يقرؤون الكتب فقط وغير المثقفين هم من يقرؤون الروايات! لذا قررت أن أخصص مقالاً عن هذا الاتجاه الفكري الذي استفزني كثيراً. لتعلموا يا إخوتي أصحاب هذا الاتجاه الفكري أنكم واهمون لأن الثقافة مفهوم واسع جداً ولا ينحصر في قراءة الكتب فقط وكنت قد كتبت مقالاً في عصير الكتب بخصوص هذا الموضوع أردت به عرض مصادر الثقافة المختلفة على القراء. يمكنك الوصول إلى المقال عبر هذا الرابط:

إذن لنعد لموضوع المقال الحالي. لماذا يسفه البعض من قيمة الرواية ويروجون لفكرة أنها غير مفيدة ولا تجعل قارئها مثقفاً. بالطبع أنا أعذرهم بسبب رداءة مستوى الرواية العربية الحديثة وبخاصة المصرية التي وصلت إلى مستوى السوقية والكتابة بالعامية والانحدار بثقافة القارئ. لكن هذا لا يعني أن التسفيه من القيمة المطلقة للروايات أمر صحيح. لذلك أريد أن أسرد لكم تجربتي مع القراءة التي يزيد عمرها عن خمسة عشر عاماً. بدأت القراءة في عمر المرحلة الإعدادية، بدأت بمجلات الأطفال والقصص وعندما وصلت للمرحلة الثانوية قرأت كثيراً من سلاسل روايات الجيب ولكني مع استمتاعي بهذه الروايات شعرت بحاجة لقراءة روايات أكثر نضجاً وذات فكر إنساني مثمر. بدأت في رحلة تجميع روايات الأدب الإنجليزي الخاص بالقرن التاسع عشر، شغفت بهذه المرحلة شغفاً عظيماً وتخيلت نفسي أعيش في نمط هذه الفترة وقرأت معظم روايات تشارلز ديكنز الذي أعده أستاذي الذي فتح عيني على حب الأدب. إن الروايات التي قرأتها في تلك الفترة، مع كل الفائدة الأدبية والتاريخية والفكرية التي تلقيتها منها، أوجدت لدي الدافعية وفتحت شهيتي لقراءة الكتب والتعمق في هذه القراءة. لأنك حين تقرأ رواية تاريخية مثلاً، ستبحث عن أحد كتب التاريخ للتأكد من المعلومات التي قرأـها والتعمق فيها. مع الوقت، كنت في هذه الفترة قد تخرجت من الجامعة منذ بضعة سنوات، بدأت في تكوين مكتبتي. حرصت منذ ذلك الوقت وإلى الآن أن تكون الكتب التي أقتنيها متنوعة وفي كل المجالات العلمية إضافة إلى الأدب وبدأت في استكشاف الأدب من كل المناطق والفترات المختلفة فاقتنيت الأدب الأوروبي والأمريكي واللاتيني والعربي والأسيوي. أصبحت الروايات هي متعتي الخالصة بجانب الكثير من المعلومات والأفكار والخلفيات الثقافية التي استقيتها منها. مؤخراً أصبحت لدي خبرة في الروايات وحرصت على قراءة كتب النقد الأدبي ومن ثم كتابة الدراسات النقدية. وأقول لكم أن ما لم أتعلمه في نظام بلدي التعليمي المزرى تعلمته من الأدب. كل أديب أحببته وقرأت مجموعة من رواياته علمني شيئاً. بما قرأته وبتثقيف نفسي من مصادر مختلفة رسخت في ذهني القيم التي أحملها وسأحملها حتى الممات، قيم الإسلام المعتدل العظيمة وقيم الإنسانية والضمير، الحرية والعدل والمساواة والشفافية والصدق والشرف والعدالة الاجتماعية وقول الحق دون خوف، وكراهية الفساد والاستبداد والقمع وترديد الأكاذيب وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق. وهناك أمر آخر، أنا شخص عملي وجوهري جداً بسبب ما قرأت ولست أقيم وزناً للمظاهر الزائفة أو الماديات. بدون قراءة الأدب لم أكن سأرتقي بفكري أو أنضج، يتوصل كل منا لأفكاره وقيمه وفلسفته بطرقه الخاصة.

أعتذر للإطالة. إذن أريد أن أصل إلى خلاصة لكل ما سبق، لقراءة الأدب فوائد عظيمة حقاً. بدءاً من الفوائد اللغوية التي تشكل لديك حصيلة لغوية قوية، ويمكنك ذلك عن طريق البحث عن كل كلمة جديدة ومعرفة معناها وتدوينها في مفكرة. وهناك فوائد وجدانية مثل التعاطف مع المظلوم أو أياً من شخصيات الرواية، وأخيراً الفوائد الثقافية المتعددة للأدب في مختلف مجالات المعرفة مثل التاريخ والسياسة وعلم النفس. وهذا ما سنناقشه في جزءٍ تالِ.

تاريخ فن الرواية:
بالرغم من وجود الأشكال المبكرة من الرواية في عدد من الأمكنة، بما يشمل روما القديمة، واليابان في القرن العاشر والحادي عشر، وإنجلترا في عصر الملكة إليزابيث الأولى، فإن الرواية الأوروبية يقال إنها بدأت برواية دون كيشوت في عام 1605 للكاتب الإسباني ميجيل دي سيرفانتس. مرت الرواية بعدة مراحل في بدايتها مثل النوفيلا وهي قصص قصيرة والملاحم البطولية والقصص الساخرة. كتب معظم كتاب عصر الملكة إليزابيث الأولى أعمال نثرية من الأدب القصصي مثل اليوفيو التعليمي: تشريح ويت لجون ليلي، وباندوستو لروبرت جرين، وروزاليند لتوماس لودج، وأركاديا للسير فيليب سيدني. يمكن رؤية عنصر واقعي في أعمال مثل المسافر التعيس لتوماس ناش وعن القراءة لدانيال ديفوه لتوماس ديلوني. في عام 1719 رواية دانيال ديفوه المنشورة روبنسون كروزو اعتبرت "أول رواية إنجليزية عبقرية". يجب أيضاً ذكر رواية رحلات جاليفر لجوناثان سويفت لأهميتها كعمل قصصي.

اكتسبت الرواية شكلها الحديث أثناء النصف الأول من القرن الثامن عشر. عبرت رواية باميلا مكافأة الفضيلة أو لصامويل ريتشاردسون (1740) عن طريقة جديدة في تصوير المشاعر والدوافع الإنسانية. بعد الموضوعات الأخلاقية لرواية باميلا، حظي إيلاريس وتشارلز جراندسن أيضاً بالشعبية. كان هنري فيلدنج، وتوبياس سموليت، ولورانس ستيرن، إلخ روائيين آخرين مشهورين في القرن الثامن عشر. فتحت رواية تريستام شاندي لستيرن، التي لم تحتوي على حبكة، المجال أمام الرواية كتعبير مباشر عن نزوات، ودعابات وآراء الكاتب. إن أوليفر جولدسميث روائي آخر في أواخر القرن العشرين، قام بطرح الآلام في رسم الشخصيات.

واجهت التقنيات قليلة الخبرة لكتابة الرواية في القرن الثامن عشر نوعاً من التنقيح أثناء القرن التاسع عشر. أعاد الكتاب القوط مثل هوراس والبول، وويليام بيكفورد والسيدة رادكليف الحب إلى الفروسية، والعصور الوسطى والمغامرة عن طريق رواياتهم. حجزت جين أوستين مكاناً للمرأة في كتابة الرواية. ثم افتتح السير والتر سكوت الرواية التاريخية. مع تشارلز ديكنز، الذي ولد في عام 1812، دخلت الرواية مرحلة جديدة في تاريخها. فقد كان أول من طور حبكة أكثر تعقيداً. ملأت الدعابة والشفقة رواياته وهدفت لإعادة تشكيل المجتمع. ثاكيري هو روائي آخر من هذا القرن قام بمحاولة كشف سوءات المجتمع الغربي. جورج إليوت، وميريديث، وتشارلز كينجسلي، وويليام موريس هم الروائيين الآخرين المهمين في هذا القرن.

صنعت الحرب العالمية الأولى والثانية تغيرات في كل عصب في المجتمع بما يتضمن الأدب. يمكن رؤية تأثيرها في الأدب القصصي أيضاً. أثناء القرن العشرين يمكننا رؤية عدة تغيرات وأيضاً تغيرات ابتكارية في أسلوب ومحتوى الرواية. علاوة على ذلك، أصرت النظريات النفسية لفرويد وجونج وكتابات أدباء ما بعد الحداثة على حرية التعبير عن كل الخبرات والعلاقات الإنسانية. جوزيف كونراد، وهنري جيمس، وهـ ج. ويلز، ود. هـ. لورانس إلخ، هم بعض الروائيين المهمين في القرن العشرين. الآن، كسرت الفكرة التقليدية للرواية كقصة وفتح الطريق للمفاهيم الابتكارية، والتجريبية، والسيكولوجية للحبكة، والشخصيات والسرد.


الحبكة، والشخصيات، وبنية الرواية
الأدب القصصي هو خصوصاً روايات تصف أحداثاً متخيلة. للروايات أنواع مختلفة من الحبكة وهي التراجيديا، والكوميديا، والسخرية والرومانسية، وتكشف شخصياتها نفسها ونواياها في الحوار الروائي إلى حد بعيد. تتصف الرواية بأنها المحاولة الأدبية لمنح تأثير الواقعية، بواسطة تمثيل الشخصيات المركبة مع الدوافع المختلطة التي تعد متأصلة في الطبقة الاجتماعية. إنها تؤدي في بنية اجتماعية متطورة جداً. إنها أيضاً تختلط بشخصيات أخرى كثيرة. الرواية هي كالمسرحية ولكن مع حبكة وشخصيات. يجب أن يعتمد الكاتب المسرحي على قدرته على جعلنا نرى ونسمع بأنفسنا، ولكن الروائي يستطيع وصف ما لا يمكن عرضه أبداً على أي مسرح. إنه يستطيع أن يخبرنا ما يحدث، ويشرحه وأخيراً يعطي ملاحظاته الخاصة عليه. لا يمكن لقصته أن تكون متناسقة في العرض، والأزمة وحل العقدة. بعد ذلك وقبل الذروة، سيكرس الكتاب صفحاته لعرض الطريقة التي ظهرت بها الأزمة. ليس للرواية إطار نظري صارم. إن الروائي تواق إلى تمثيل الحياة في كليتها وربما يرجح إلحاحها الخلاق على شعوره بالوحدة الفنية والتوازن في الحكاية، والوصف، والتصوير والحوار. لكن هذا قد لا يهم إذا كان المؤلف يستطيع إبقاء القارئ تحت سيطرته بحبكته، وشخصياته وأسلوبه السردي حتى تنتهي القصة. إن شخصية المؤلف عنصر مهم جداً. يجب أن تعرض كل رواية وجهة النظر وبعض المشاكل المحددة. إنها يجب أن تكون مرآة تعكس نظرة المؤلف للعالم مع كل الأحداث، والشخصيات، والانفعالات والدوافع. إنها يجب أن تكون موافقتنا أو رفضنا لوجهة النظر هذه عن الحياة وهذا هو ما تقرر خيارنا في الأدب القصصي.

فوائد قراءة الأدب
إن للأدب فوائد جمة، وهذا يشمل أغلب المراحل العمرية للبشر، فلكل مرحلة عمرية صفاتها وقراءتها واستفادتها الخاصة من الأدب. هناك الفوائد النفسية مثل تحقيق السلام النفسي والتعاطف وأن تتعلم كيف تعبر العقبات الجديدة التي تظهر أمامك في الحياة. وهناك الفوائد الاجتماعية أو المعنوية، فعندما تقرأ رواية ما ستجد نفسك بها، ستكتشف شخصيتك الحقيقية من خلال تفاعلك مع شخصيات الرواية، وربما أيضاً ميولك واتجاهاتك. قراءة الأدب يعلمك أيضاً التركيز، ويحسن الإبداع بداخلك. قد تفاجئ بشيء آخر غير ما كنت تتصوره عن نفسك، فربما يتغير ما تحبه وما تكرهه من خلال حبكة وشخصيات الرواية.

للخوض في فوائد قراءة الأدب القصصي وبخاصة الرواية من منظور علمي، بحثت وقرأت عدة دراسات علمية تناولت قراءة الأدب. أول هذه الدراسات كانت أطروحة ماجستير بجامعة وسط ميزوري تناولت فوائد قراءة الأدب لدى طلاب المدارس، وكانت النتائج كالتالي: ثبت أن قراءة الأدب القصصي يساعد في تطور الاحتفاظ بالذاكرة، وحفظ المفردات، والتعاطف، ومعرفة العالم. تظهر المعلومات المقدمة في مراجعة أدبيات البحث أهمية قراءة الأدب لكل من التربويين والوالدين. كما أثبتت أن قراءة الأدب القصصي مهم للعملية التعليمية بالنسبة للأفراد. إنها تساعدهم ليكونوا أكثر تعاطفاً وليفكروا في المشاكل قبل صنع القرارات المتعجلة. بواسطة البحث في العوائق التي تقف في طريقهم للقراءة، يمكن أن يبدأ الناس في تقليل أو حتى إزالة هذه العوائق التي تعوق قراءة الأدب القصصي. يقترح هذا البحث أن يشجع التربويون والوالدين قراءة أكثر للأدب، والأدب النموذجي، وتقديم مواد قراءة وأنشطة مثيرة للاهتمام وجذابة.

تناولت دراسة أخرى عنوانها قراءة الروايات وقراءة الكتب غير الأدبية: علاقة تكافلية، أهمية قراءة كل من الأدب والكتب وأثر وفائدة كل منهما لطلاب المدارس الإعدادية والثانوية. تورد الدراسة أنهما عندما استخدما معاً، سمحت الروايات والكتب غير الأدبية للطلاب بقراءة والانخراط في تحقيق موثوق به نحو الأنواع الأدبية، والموضوعات، والأفكار في كلا النوعين من النصوص. كنتيجة، بدلاً من وضع هذه النصوص لتكون متنافسة في الفصل، يجب أن يبحث المعلمين وأمناء المكتبات عن طرق لاستخدام هذه النصوص بطرق تكميلية، بتسخير إمكاناتها التكافلية لتعزيز تعلم الطلاب. يقدم نظام الثنائيات والمجموعات للطلاب طرق بديلة لرؤية واستيعاب المحتوى عندما يستكشفون وجهات نظر متعددة ويبنون معرفتهم للمحتوى. ولكن ربما على نحو أكثر أهمية، فإنها تسمح للطلاب بالانخراط في تحقيق موثوق به عندما يسهم الأدب والكتب غير الأدبية كلاهما معاً في فهم الطالب بطرق ذات مغزى ودائمة.

تناولت عدة بحوث أخرى قراءة الأدب القصصي وأثر ذلك على القدرة على التواصل والأداء بالدماغ. وكانت النتائج كالتالي: اكتشف علماء الأعصاب أن قراءة رواية قد تحسن أداء وظائف الدماغ على مستويات متنوعة. أجريت إحدى هذه الدراسات التي تناولت فوائد الدماغ من قراءة الأدب القصصي في جامعة إيموري. وجد الباحثون أن انخراط المرء في قراءة رواية يعزز القدرة على التواصل في الدماغ ويحسن أداء الدماغ. على نحو مشوق، ظهر أن قراءة الأدب القصصي يعزز من قدرة القارئ على وضع نفسه في مكان شخص غيره وثني الخيال بطريقة مماثلة لتخيل ذاكرة العضلة في الألعاب الرياضية. سجلت التغيرات التي سببتها قراءة رواية في القشرة الصدغية اليسرى، وهي منطقة في الدماغ مرتبطة بقابلية التأثر باللغة، جنباً إلى جنب مع المنطقة الحسية الحركية من الدماغ. ارتبطت الخلايا العصبية لهذه المنطقة بخداع العقل إلى التفكير أنه يفعل شيئاً هو لا يفعله، وهي ظاهرة معروفة بأنها المعرفة الموضوع على الأرض، أو المجسدة. أظهرت نتائج دراسة أخرى أن التغيرات العصبية التي وجدت مرتبطة بأنظمة الإحساس الجسدي والحركة توحي بأن قراءة رواية يمكن أن تنقلك نحو جسم البطل. القدرة على أن تضع نفسك مكان شخص آخر تطور نظرية العقل.

خاتمة: بعد الاطلاع على نتائج هذه الدراسات والبحوث، أتمنى ممن يسفهون من قيمة الروايات مراجعة أنفسهم. لاحظ أنني لا أقول هنا أني مع قراءة الروايات فقط أو شيء من هذا القبيل. بل إنني أستفز جداً من الإقبال المبالغ فيه على روايات الكتاب الجدد الذين أرى أن معظمهم لا يتمتع بموهبة أو بلغة قوية وأسلوب مميز. ولكن الأدب عموماً هو فن عظيم وأن تستشف وجهات النظر والأفكار والقضايا والرؤى وتستمتع باللغة والأسلوب وتكون حصيلة لغوية وتتداخل مع شخصيات الرواية لهي متعة خالصة لا تنتهي. أتمنى من كل من قرأ هذا المقال أن يفهم حقاً معنى كلمة أدب ودور وقيمة هذا الأدب في لغتنا وثقافتنا، وأن أغلب ما ينشر على الساحة هذه الأيام لا يمكن أن نطلق عليه كلمة رواية أو أدب. أخيراً، أنصح من يسفه من قيمة الأدب يتوقف عن ذلك ويبدأ في قراءته، وأنصح من يقرأ الرديء من الأدب أن يتركه وينصرف عنه إلى الجيد. أعتقد أن الأوان لم يفت بعد لتصحيح مساراتنا في القراءة.   

أسباب التراجع الكبير للأدب العربي

بدايةً، وقبل الخوض في أسباب التراجع التي أحاول رصدها في هذا المقال، أريد أن أوضح للقارئ الكريم أنني سأستخدم أمثلة من الأعمال الأدبية الحديثة لتوضيح وجهة النظر التي أطرحها. وجدير بالذكر أن أي نقد سيوجه لأي عمل أدبي في المقال سيكون لأسباب أدبية بحتة وحسب. السبب الأول والأهم فيما آل إليه الأدب العربي حالياً من تراجع هو هبوب تيارين محدثين يعصفان بالأدب بما يصدر عنهما من أعمال ركيكة وساذجة وبعيدة كل البعد عن الإبداع والأصالة والنضج الفكري. أول هذين التيارين هو تيار الركاكة اللغوية والكتابة بالعامية وسذاجة الفكر وهو التيار الأكثر انتشاراً حتى الآن. وليس كتاب هذا التيار متقاربي الفكر والتوجه مثل كتاب التيار الآخر، ولكن ما هم متساويين فيه هو بلادة الفكر وركاكة اللغة وبدائية الحبكة والسرد وضعف الثقافة، وإلى حد ما سرقة الأفكار من أعمال أجنبية سينمائية كانت أو أدبية. مع كل الاحترام لهؤلاء الكتاب، لا بد من الإشارة إلى حقيقة مؤكدة وهي الانحدار الشديد في مستوى أعمالهم والنزول بالأدب إلى مستوى سوقي بدلاً من الارتقاء بذوق القارئ وعدم احترام عقل القارئ. فعلى سبيل المثال، روايات مثل هيبتا والجزار وأرض زيكولا ومالك والفيل الأزرق وأحببتك أكثر مما ينبغي وأنت لي لا تحمل مضموناً فكرياً بقدر ما تحمل انحطاطاً أدبياً. أما التيار الآخر فهو تيار ما يسمى بالروايات الملتزمة، فرغم سخافة التسمية يقيم القراء هذه الروايات حسب قدر الاستفادة الدينية وليس حسب جودة العمل. يتميز كتاب هذا التيار عن غيرهم بلغة جيدة ولكن ضعف الثقافة وإقحام أفكار التعصب الديني والدعوة الدينية وانعدام الحرية لدى هؤلاء الكتاب وانغلاقهم على أنفسهم وعدم الانفتاح على الأدب الجيد سواء كان عربياً أو عالمياً يخلق أعمالاً غاية في السوء. فعلى سبيل المثال، روايات مثل قطة في عرين أسد واغتصاب ولكن تحت سقف واحد والرجل ذو اللحية السوداء وفي الحلال وفي قلبي أنثى عبرية تعد أشهر ما أنتج كتاب هذا التيار. لا شك أنه عند تنحية الفكرة الدينية والنظر إلى الرواية كرواية وحسب، نجد كل هذه الروايات ضعيفة جداً فكرياً وذات حبكة تشبه أفلام بوليوود أو أكثر إغراقاً في الخيال الذي يتجاوز حدود الواقعية لدرجة السذاجة والبلاهة المفرطة. رواية في قلبي أنثى عبرية مثلاً قد تجد تقييمها على موقعgood reads أعلى من تقييم إحدى روايات تشارلز ديكنز أو دوستويفسكي رغم سوئها وحاول فقط أن تقنع محبيها بهذا السوء لينصب عليك جام غضبهم وتعصبهم للرواية. إذن لماذا تنجح أمثال هذه الروايات نجاحاً كبيراً تلاقي إقبالاً يصل طبعات بعضها إلى عشرين طبعة أو أكثر؟
 
هذا السؤال يقودنا إلى السبب الثاني لتراجع الأدب العربي. أولاً لضعف ثقافة المتلقي الشاب وانعدام قدرته على التمييز بين الغث والسمين، وثانياً لأن هذه الأعمال تلاقي صدىً في نفوس القراء المبتدئين خاصة الفتيات اللاتي يعانين من كبت عاطفي فكأن هذه الروايات وخاصة الرومانسية هي بمثابة المخدرات التي تمنح القراء في خيالهم ما لم يجدوه في واقعهم. وثالثاًً لأن بعض القراء يرغبون في قراءة أعمال مختلفة فيلجؤون لروايات الرعب التي لا أجد فيها رعباً حقيقياً. وأخيراً لأن تلك الرواية الملتزمة تلبي حاجة القارئ الذي لا يحب أن يقرأ رواية بها بعض الألفاظ البذيئة أو الكتابة الإباحية.
 
بعد تناولنا لطرفي اللعبة المؤلف والقارئ نأتي إلى الطرف الثالث وهو الناشر. الناشر وهو السبب الثالث من أسباب تراجع الأدب العربي لم يعد يؤدي أي دور فني. فأصبح مجرد تاجر لا يهمه إلا الربح حتى ولو قاده ذلك إلى نشر الروايات الرديئة والترويج لها.
 
وختاماً أقول للقراء المبتدئين ليس من الخطأ بداية مشوار القراءة بهذه الأعمال رغم رداءتها، ولكن الخطأ الكبير هو عدم التطور والفهم لأي درجة هذه الأعمال سيئة وترك روايات جادة وقوية وكتب مفيدة وقيمة ومداومة قراءة هذه الروايات الرديئة. كما أن من المعيب أيضاً السخرية والتعالي على القارئ المبتدئ لانحيازه لهذه الروايات، بالعكس يجب علينا توجيهه وترشيح الأعمال الجيدة له.
 
ختام هذا المقال والخلاصة التي أرجو أن يخرج بها القارئ الشاب هو بعض النصائح والترشيحات:
1- انتماءك إلى كتاب جيلك الشباب لا يعني التشبث بالرديء من الأعمال الأدبية، فهناك كتاب مبدعون من الجيل الحالي أحب أن أرشدك إلى قراءة أعمالهم مثل: إبراهيم أحمد عيسى وإبراهيم فرغلي ومحمد ربيع من مصر، حمور زيادة من السودان، وسعود السنعوسي وبثينة العيسى من الكويت، وخالد خليفة من سوريا.
2- حاول قراءة الأدب المترجم فستجد روائع عالمية لكتاب أمثال جورج أورويل وتشارلز ديكنز وألدوس هكسلي وسومرست موم وبرنارد شو وسكوت فيتزجيرالد وجيمس جويس وجاين اوستين من بريطانيا، وأونوريه دي بلزاك وجوستاف فلوبير وجي دي موباسان وفيكتور هوجو وجول فيرن وألبير كامو وسيمون دي بوفوار وإميل زولا من فرنسا، وامبرتو ايكو والبرتو مورافيا من إيطاليا، وفرانز كافكا وجوته وهيرمان هيسه من ألمانيا، وجوزيه ساراماجو من البرتغال، وميلان كونديرا وقسطنطين جورجيو من شرق أوروبا، وفيودور ديستويفسكي وليو تولستوي وأنطون تشيخوف وبوريس باسترناك وفلاديمير نابوكوف وفاسيلي شوكشين من روسيا، وهنري جيمز ودان براون وجون جريشام ومارك توين من أمريكا، وجابرييل جارسيا ماركيز وجورجي أمادو وإيزابيل الليندي وكارلوس فوينتس من أمريكا اللاتينية. قد تجد هذه الروايات في البداية ثقيلة وصعبة الاستيعاب حاول استئناف قراءتها وقراءة الكثير منها وستجدها غاية في الروعة.
3- اقرأ لعمالقة ورواد الأدب العربي أمثال نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وطه حسين وسلامة موسى ويوسف إدريس ويوسف السباعي وحنا مينة والطيب صالح وعبد الحميد جودة السحار ومحمد عبد الحليم عبد الله.
4- احصل على معجم اللغة العربية الصادر عن المجمع اللغوي واقتني مفكرة لتدوين الكلمات غير المعروفة بعد البحث عن معناها في المعجم لتنمية حصيلة لغوية جيدة.
 

اللغة في الرواية العربية: حافظوا على نظافة لغتكم

لماذا يتعامل بعض متلقيِ الأدب مع الفصحى على أنها أمر معقد يصعب فهمه واستيعاب مفرداته، ويتناسون كل هذا الجمال الذي تزخر وتنفرد به في آن. هناك جدل دائر وخلاف بين جمهور الرواية العربية  الذي انقسم إلى  فريقين، الأول يدعم الفصحى ويرى أن كتابة الأدب بالعامية ضعف من الكاتب وليس عيباً في الفصحى، والفريق الآخر يقبل بحماس على الأعمال الركيكة في اللغة أو المكتوبة بالعامية ولا يجد ما يعيب هذه الأعمال، ويشق عليه قراءة الأدب بالفصحى. تكمن الأزمة في أن هناك تطابقاً في الحالة المزرية من الضعف في اللغة العربية والثقافة والفكر بين بعض الأدباء وجزء من جمهور الأدب، وهذا لا يستقيم بأي حال من الأحوال، فعلى الأديب أن يرتقي بفكر وثقافة المتلقي لا أن ينحدر به، ولكن فاقد الشيء لا يعطيه. المؤكد أن شاعر النيل حافظ إبراهيم حسم هذا الخلاف منذ القرن الماضي بهذا البيت البديع:  
 أنا البحر في أحشائه الدر كامن ××× فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي  
يجب أن نطرح هذا السؤال على أنفسنا، جميعنا الكتاب منا والقراء، لماذا يلجأون إلى العامية والركاكة؟ هل لضعف في الفصحى وقصور في إيصالها المعنى أم لضعف في أدواتهم كأدباء؟ أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم في قوم كان مجال تفوقهم وزهوهم وتفاخرهم هو اللغة والبيان ونظم الشعر، فلما أنزل الله كتابه الحكيم كان معجزة البيان. كالعادة يستدرجنا البعض إلى إثبات البديهي وتأكيد المؤكد فوجب التذكير. الفصحى تنفرد عن غيرها في أن لكل معنى عدة مفردات ولكل جملة العديد من طرق الصياغة، هناك المفردات التي تستخدم في العربية القديمة، ومنها ما يليق مع العربية الحديثة، وهناك المبسط وأخيراً الركيك الضعيفعلى الأديب إتقان مهارة إيصال المعاني من مفردات وتراكيب جمل وإيحاءات لفظية بما يتوافق مع روح النص الأدبي. تكون لغة الرواية عظيمة وممتعة عندما يجيد الكاتب تآلف الكلمة مع الكلمة وقوة الموسيقى بدون كلمات غير متآلفة قد تحدث نشازاً في أذن القارئ. في الأدب قد تشترك الأذن مع العين في المتعة والتذوقيجب أن يبتعد الأسلوب عن الزخرفة اللفظية المبالغ فيها وألا تكون التشبيهات بعيدة عن جو النص. يجدر أن يكون جمال اللغة ورونق الأسلوب قيمة عظيمة في النص الأدبي بصرف النظر عن المستوى الفني.  
هذا عن السرد أما الحوار فالأمر مختلفقد يكون استخدام العامية في الحوار نقطة قوة وليس ضعفاً إن أتقن الكاتب استخدامها، إذ أن إيصال المعنى بالعامية أصعب منه بالفصحى، فمن أجل إيصال الأفكار والانطباعات والمشاعر على لسان الشخصيات ينبغي التحقق من أية عامية يجب استخدامها وإلى أي إقليم تنتمي الشخصية وأي عمل تمتهن ومن أي فئة اجتماعية تندرج. إذا استطاع الكاتب إتقان الحوار بالعامية فهذا أمر يضيف إلى ثقل وأهمية النص الأدبي وتعبيراً وافياً عن الشخصيات فيه، وعن المجتمع على نحو عام، نجيب محفوظ كمثال. إلا أن إساءة استغلال العامية وامتلاء الحوار بالبذاءة والسوقية والتفاهة في بعض النماذج يعد ابتذالاً وانحداراً بمستوى الأدب من الكاتب وانتقاصاً من قيمة العمل ككل.  
إن ضعف اللغة وضحالة الفكر والثقافة نال من القراء مثلما نال من بعض كتاب الجيل الجديد، بل هو تأثر بالضعف والجهل والسطحية المنتشرة في المجتمع ككل. الأسوأ أن يفتقر هؤلاء الكتاب إلى المعرفة والدراسة والإجادة لمقومات الرواية من لغة وحبكة وشكل فني ومضمون فكري. أصبحت الأفكار التي تتناولها بعض الروايات سطحية وغير متنوعة وأصبح الذوق العام في انحدار ليس في الأدب وحده وإنما في عدة مجالات. نشأ فن الأدب في الأصل ليشيد فكراً يرتقي بالمجتمع ويشرع في تناول القضايا الأخلاقية والاجتماعية والسياسية التي تخص هذا المجتمع بالتساؤل وتوجيه أصابع الاتهام للأمثلة السيئة، فرادى أو جماعات، هذه رسالة الأدب فلكل عمل فني رسالة بجانب الترفيه. غير الأدب هناك الدين والفكر والفلسفة وعلم الاجتماع للارتقاء بالمجتمع وحل مشكلاته. يجب أن يبقى الأدب راقياً لينير الطريق إلى خير المجتمع ومعبراً بصدق عن القضايا والأفكار.  
عذراً للإطالة والمباشرة في بعض المواضع من هذا المقال. ختاماً أقول لنهرب باللغة إلى الجمال والرصانة ولا نتركها تقبع في قاع حفرة الإهمال والتردي. أثق ثقة مطلقة بأن اللغة قوية ومتعافية وستمرق من هذا المأزق، كما مرقت في القرن الماضي عندما حاول المحتل إضعاف الفصحى واللجوء إلى العامية على المستويات الرسمية حتى تستبدل فيما بعد باللغة الأجنبية ووقف المخلصون من الكتاب والشعراء وعامة الشعب لهذا التيار بالمرصاد حتى عادت اللغة قوية جزلة. إنها لغة القرآن، لغتنا وهويتنا، ومن تذوب هويته يتحول إلى مسخ لا هو محافظ على هويته ولا هو قادر على الانتماء لهوية وثقافة أخرى. لا يجوز التفريط في لغة الضاد، لا على مستوى الحوار ولا على مستوى الأدبسيكون من الرائع أن نرى الشباب يتطور وينمو إدراكه وينفض يده من هذه الأعمال الغثة، ويقرأ نصوص أدبية قوية بالفصحى. لا يجوز التجاوز عن رداءة كل عناصر الرواية من لغة وأسلوب وحبكة وشكل فني ومضمون، والتجاوز عن المنطق الذي يتنافى مع هذه الأعمال البائسة لمجرد أنها تحكي عن الحب أو الرعب أو لا تخلو من تشويق. لا يجوز، بل لا يليق باللغة العربية أن ننحدر بها إلى هذا المستوى من الضعف والبذاءة. حافظوا على نظافة لغتكم.

الحياة في وسط أوتوقراطي: قراءة للعلاقات الإنسانية في المجتمع العربي


الصداقة الحميمة هي قوس قزح يصل بين قلبين يتشاركان سبعة ألوان: الود، الحزن، السعادة، الحقيقة، الإخلاص، الثقة والاحترام. هذه الصداقة تستلزم أن تكون واضح شفاف كمرآة أمام أصدقائك، وهذا يفسر لماذا لا تتحقق بيننا كأفراد في مجتمع عربي إلا في مرحلتي الطفولة والصبا عهد البراءة والصفاء، بمرور الوقت يتعلم الفرد من مجتمعنا كيف يخبئ ويكذب ويتصنع أمام القريب قبل البعيد.

أنت فرد في مجتمع لا يعرف الصدق. مهما كان الشخص سيئاً فهو لا ينظر إلى عيوبه ونقصه وينشغل بالنظر إلى عيوب الآخرين والتدخل في شؤونهم في جو مقلق من الازدواجية والقبح والعداء. والنتيجة قلوب جريحة سوداء كالحجر يبطن أصحابها الغل ويظهرون الحب والتسامح. 

لم أر هذه الصداقة الحميمة إلا في متابعتي لأساليب الحياة في المجتمع الأوروبي الذي يتمتع الشخص السوي فيه بالحرية والشفافية والوضوح أمام أصدقاءه لأنه مجتمع لا يتصدر فيه البعض للحكم على تصرفات الآخرين والكل فيه مشغول بنفسه، أهدافهم هي العمل والنجاح وإثبات الذات. 

نحن مجتمع لا يعرف الديمقراطية. الديمقراطية يمارسها المجتمع الأوروبي بالكثير من التحرر ولكن بطريقة سليمة. لا حكم على الآخرين، مدير العمل يشارك السلطة ويوزعها ويستشير موظفيه في قراراته، لا يمارسون التعنت ولا يجبرون أبناءهم على دراسة او عمل او زيجة ما، لا يمارسون الضغط على الغير بمراقبة تصرفاتهم والتضييق عليهم وإسداء النصح الدائم لهم بالزواج أو الإنجاب، ليست في قاموسهم هذه الألقاب الجارحة: عانس، مطلقة، عاقر، عاطل، قصير، أصلع، بدين، معاق، أم البنات ... إلخ. لا تسفيه ولا سخرية من أفكار الآخرين. الديمقراطية تمارس على أوسع نطاق في المجتمع الغربي، لا يمكن تطبيق الديمقراطية في الحكم إذا لم يكن المجتمع نفسه يتمتع بالديمقراطية.  

غياب الصديق الحميم يؤثر على الروح المعنوية للإنسان بالسلب، وكذا غياب الصدق في تعاملك مع كل من حولك. خاصة في مجتمع يلعب الجميع فيه لعبة الاستغماية وينغلقون على أنفسهم. هناك الكثير من الحزن والغضب والقهر المخبوء بالداخل يحتاج إلى الفضفضة والتنفيس. 

بالتأكيد هناك في المجتمع الغربي أيقونات فكرية وثقافات وممارسات متحررة لا محل لها من الإعراب في مجتمعنا العربي، لكن بمقدورنا تعلم الأمر الممتاز وهو الديمقراطية. الديمقراطية تحررك من الخجل وتعلمك التعبير عن نفسك والانفتاح على العالم وتغيير كل علاقاتك إلى الأفضل. ربما يحدث هذا التطور بعد مائة عام أو أكثر، وربما يبقى الحال على ما هو عليه، وربما تثمر عقول الشباب عن أفكار جديدة تحدث حراكاً مجتمعياً وتجري المياه الراكدة، من يدري. 

أدب يوتوبيا وديستوبيا




 من اتجاهات الأدب المهمة رسم المدينة الفاضلة ونقيضتها المدينة الفاسدة وتصوير كلاً من المجتمعين. مصطلح Utopia يعني المدينة الفاضلة التي يتسم سكانها بالفضيلة والاخلاق وتحكم بالعدل والمساواة والعلم. المدينة الفاضلة كما تم التعارف عليها هي أحد أحلام الفيلسوف "أفلاطون". وهي مدينة تمنى أن يحكمها الفلاسفة وحدهم، ظناً منه أنهم لحكمتهم سوف يجعلون كل شيء في هذه المدينة معيارياً يتم تطبيقه بحرفية تامة، وبناء عليه ستكون فاضلة.
ففي تلك المدينة يجد المواطن والمقيم والزائر أرقى وأكمل أنواع الخدمات وبأسلوب حضاري بعيداً عن التعقيد والروتين ومن غير تسويف. كان المقترح لمدينة جديدة ومختلفة عن كل مدننا. ليس الاختلاف في المظهر العمراني فقط بل في كل شيء. المستوى الحضاري والسكاني والأداء الخدمي الحكومي والخاص. مقترح لمدينة أساسها الإنسان نفسه سواء كان مسؤولاً أو موظفاً أو عاملاً كبيراً أو صغيراً رجلاً أو امرأة.

وعلى نقيض المدينة الفاضلة هناك فكرة مضادة وهي Dystopia "المدينة الفاسدة" حيث الدولة البوليسية التي يحكمها نظام عسكري أو شيوعي أو أي نظام شمولي مخيف. وتغرق المدينة في الفساد. والديستوبيات تتميز بالتجرد من الإنسانية، والحكومات الشمولية والكوارث البيئية والانحطاط عامةً. ويمكن تعريف الأدب الديستوبي بأنه نوع من الأدب الذي يحكي عن مجتمع (متخيل غالباً) منظم بطريقة تجعل من الصعب على أفراده أن يكونوا سعداء. وغالباً فإن هذه الحياة الكابوسية التي يعيشها الأفراد ناتجة عن تنظيم سياسي هدفه، وفقاً لسلطة المدينة، جعل المجتمع أفضل عن طريق غرس أفكار بعينها ومحاولة تحويل الأفراد إلى نسخ من بعضهم.
هناك العشرات من الروايات التي تندرج تحت بند الرواية الديستوبية. تعد رواية الكاتب البريطاني الدوس هكسلي (1894 -1963) "عالم رائع جديد" ورواية "1984" للكاتب البريطاني جورج أورويل (1903-1950) (اسمه الحقيقي إريك أرثر بليك) من أقوى روايات الديستوبيا. في "عالم رائع جديد" (نشرت عام 1932) يصور هكسلي مجتمعاً يستخدم هندسة الجينات والاستنساخ للسيطرة على الأفراد. يولد الأطفال كلهم بهذه الطريقة ويصممون لينتموا إلى إحدى الفئات الاجتماعية الخمس المحددة: النخبة، التنفيذيون، الموظفون، وفئتا المخصصون للأعمال الشاقة في المجتمع وسميت هذه الفئات حسب الأبجدية اليونانية ألفا، بيتا، جاما، دلتا، ابسلون. هذه هي الديكتاتورية الكاملة: ديكتاتورية تبدو مثل ديمقراطية، سجن بلا جدران لا فكاك منه والأخطر أنه بفضل قيم الاستهلاك والترفيه يحسب العبيد فيه أنهم أحرار.

وصف جورج أورويل في روايتيه "مزرعة الحيوان" و"1984" مجتمع المدينة الفاسدة. في "1984" يصور جورج أورويل حياة وينستون سميث وهو عضو منخفض الترتيب في الحزب الحاكم. أينما ذهب سميث وحيثما كان يراقبه الحزب. حتى في بيته وحيثما ولى وجهه يرى زعيم البلاد الذي ليس له اسم ولا هوية سوى "الأخ الكبير" والأخ الكبير يراقبك حيثما تكون. في هذا المجتمع الذي تخيله أورويل (رغم أن كثيراً من سماته تنطبق على مجتمعات حقيقية قائمة) يسيطر الحزب على كل شيء في البلاد بما في ذلك اللغة والتاريخ. حتى اللغة يحاول الحزب فرض لغة جديدة تخلو من مفردات السياسة والتمرد والرفض. انه المجتمع البائس حيث تنعدم حرية التفكير حتى بينك وبين نفسك وحرية التعبير وحرية الاختيار. 
يعد أدب المدينة الفاسدة مهم جداً لرسالته الهامة للشعوب ودعوته للتحرر ورفض العبودية والاستبداد، خاصةً في مجتمعنا العربي حيث تمثل عدد غير قليل من الدول العربية ديستوبيا راسخة على أرض الواقع.

ترشيحات

كتاب محاورات الجمهورية - أفلاطون
كتاب جمهورية أفلاطون - أحمد المنياوي، للتبسيط.
كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد - عبد الرحمن الكواكبي
رواية عالم رائع جديد - ألدوس هكسلي
رواية مزرعة الحيوان - جورج أورويل
رواية 1984 - جورج أورويل
رواية IQ 48 - هاروكي موراكامي
رواية القلعة - فرانز كافكا
رواية مصورة V for Vendetta - ألان مور
 سلسلة روايات ألعاب الجوع - سوزان كولينز